الحريري يواجه «انقلاب» عون ونصرالله
«تباينات شيعية» خارجية وداخلية تمدد للفوضى
انفجر «اجتماع الاثنين» بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، وتبخّرت معه آمال تشكيل حكومة جديدة تضع لبنان على سكة الحل لأسوأ أزمة اقتصادية يعيشها في تاريخه الحديث. بعد اللقاء بين عون والحريري، في القصر الجمهوري ببعبدا، أمس، أصبحت اللعبة أخطر من عدم تشكيل الحكومة، وتصل إلى حدود انقلاب على الدستور، يَعتبر الحريري أنه بدأ مع موقف «حزب الله»، الذي دعا إلى تغيير كل مقومات المبادرة الفرنسية. وبما أن عون لا يريد الحريري لرئاسة الحكومة، فقد استمر بوضع العصي في دواليب مساعيه.
وفي مواجهة تصعيد عون، الذي استند إلى الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، قرر الحريري الخروج عن صمته، والإفصاح عن المداولات التي حصلت، كاشفاً أن عون أرسل له تشكيلة وزارية تتضمن توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، طالباً منه أن يختار الأسماء لها مع القوى السياسية. واتهم الحريري عون بتجاوز الدستور بهذه الورقة، وبرفض ما عرض عليه، بهدف دفعه إلى الاعتذار.وبينما ليس هناك جواب واضح بعدُ حول حقيقة موقف نصرالله، فإن أسئلة كثيرة تطرح حول ارتباط التطورات اللبنانية بالملفات الإقليمية والدولية. وهناك من يرى أن إيران، التي تصعّد في كل دول المنطقة، من العراق مروراً باليمن وصولاً إلى السعودية، لا يمكن لها أن تتساهل في لبنان، إنما تريد إبقاء الورقة اللبنانية في يدها.رغم ذلك، فإن «حزب الله» لديه حسابات محلية صرفة، وقد يكون من مصلحته تشكيل حكومة تمنحه الشرعية وتعيد تعويمه سياسياً ودستورياً وتعوم حلفاءه. ربما هذا التباين بين طهران والضاحية، هو ما يسمح باستمرار هذا الضياع في لبنان.في هذا الوقت، استمر تبادل الرسائل المباشرة وغير المباشرة بين طرفي الثنائي الشيعي؛ حزب الله وحركة أمل. وكان واضحاً أن رئيس البرلمان نبيه بري اتخذ موقفاً واضحاً وقوياً لدعم الرئيس المكلف سعد الحريري، في تباين مع ما اقترحه نصرالله الأسبوع الفائت حول الذهاب إلى تشكيل حكومة تكنوسياسية، فأصدرت حركة «أمل» بياناً، أمس، يدعو إلى حكومة اختصاصيين، ويعيد الاعتبار للمبادرة الفرنسية، ويرفض حصول أي كان على الثلث المعطل. وهكذا قسم الثنائي الشيعي نفسه إلى: بري بجانب الحريري، ونصرالله قرر دعم عون، فيما بدا أنه مبادرة تباين وتمايز قد يكونان الأوسع منذ سنوات. هذا الاختلاف يعود إلى أن حزب الله يلوم بري على إسقاط حكومة حسان دياب، بدون الاتفاق على حكومة بديلة، ويلومه أيضاً على توفير الغطاء لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. رغم ذلك، فإن حزب الله لديه قناعة استراتيجية بضرورة أن يكون الحريري رئيساً للحكومة، بما يمنحه من شرعية دولية للحكومة، ولقطع الطريق على أي انقسام سني-شيعي.والآن، بعد فشل «اجتماع الاثنين»، يبدو أن الجميع سيبحثون عن فرص للاستثمار بالوقت الضائع. وفي محاولة لقطع الطريق على طرح «حزب الله» لتفعيل حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب، أرسل الحريري رسالة إلى دياب بأنه لا يمكنه السير في تصريف الأعمال، وكأن الحكومة أصيلة، ولا يمكن عقد اجتماعات متوالية لها، لأن ذلك سيكون انقلاباً على الدستور. وعلى وقع زيادة منسوب الضغوط الدولية، خصوصاً الأوروبية، مع تهديدات بفرض عقوبات على بعض المسؤولين اللبنانيين وأولهم رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، يذهب لبنان إلى مشهد قاتم جداً، بعد فشل كل المبادرات وسقوط كل التسويات، التي كان يأمل البعض في نسجها. حتى لعبة التهدئة لم تنجح، بما أن الحريري أفشى كل ما كان يدور بينه وبين رئيس الجمهورية. وإلى جانب المخاطر السياسية، تتزايد المخاطر المالية، مع تدهور الوضع المعيشي، وهذه كلها أمور قد ينتج عنها توترات أمنية على الأرض، ليدخل لبنان في متاهة أصبح من الصعب جداً الخروج منها ما لم تحدث معجزة.