افتعال أزمات لهدم الدولة

وَإذا ما خَلا الجَبَانُ بأرْضٍ

طَلَبَ الطّعْنَ وَحدَهُ وَالنّزَالا

هذا وصف دقيق وشائق قدمه أبو الطيب المتنبي، ليصور لنا شخصية إنسان جبان مريض، يعاني عقدة الخوف والجبن، ولكنه في الوقت نفسه يخجل بينه وبين نفسه أن يعترف أنه شخص جبان، أو أن يشتهر بين أفراد أسرته وأصحابه بهذه الصفة، فلا مانع لديه أن يتظاهر أمام نفسه وأقاربه بالشجاعة والبطولة، طالما أنه مطمئن أن ما يقوم به مجرد كلام ولن يجد من سيختبره ويضعه في موقف يمتحن فيه شجاعته.

وإذا حاولنا تطبيق هذا المثل على السجال الدائر بين الحكومة وبعض أعضاء المجلس، أو ما يثيره بعض النشطاء من انتقادات مجحفة على مختلف وسائل الاتصال الاجتماعي ضد الحكومة، فسنجد أن تطبيق هذا المثل واضح على واقعنا وبكل أسف، فما يوجهه هؤلاء من انتقادات للحكومة ليس فيه ذرة من الشجاعة ولا النقد الإيجابي الذي يهدف إلى الإصلاح.

فمن ينقد الحكومة الكويتية يعرف مسبقا أنها حكومة ملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان، ومنها السماح للرأي الآخر، كما أعتقد أن ما يقوم به بعض الأعضاء لا يمكن وصفه بالنقد الإيجابي البناء الهادف للإصلاح، فهم ينتقدون الحكومة قبل أن يطلعوا على برنامجها وخطة عملها، إذاً على أي أساس تنتقد الحكومة؟ قد يكون هذا النقد من الممكن وصفه بنوع من التعنت والنقد السلبي الهدام.

والآن علينا أن نتساءل بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية: ما الإنجازات التي حققها المجلس؟ طبعا وبكل أسف لا شيء، لأن المجلس أشغل نفسه بافتعال أزمات بينه وبين الحكومة، فلا نسمع يوميا إلا نواباً يهددون باستجواب رئيس الوزراء وإسقاطه، وآخرين يهددون باستجواب وزراء آخرين، وكان هذا يتم قبل أن تقدم الحكومة برامجها وخطة عملها، لأن جلسات المجلس تعطلت بسبب هذا الجو المشحون بالانفعالات.

نتمنى أن نخرج من هذه الأزمة سالمين وألا نعود إليها مرة أخرى، فالدولة بحاجة إلى العمل الجاد، ولنعترف أن هذه الجائحة تركت آثارا سلبية، خصوصا على الاقتصاد الذي يعد عصب الحياة، وعلى التعليم وعلى صحة الإنسان، وعلى المجلس أن يطلع على خطة الحكومة لمواجهة تلك المشكلات، وأن يستعين بخبراء ومتخصصين لمساعدته في تحقيق ذلك، ونرجو من الله أن يوفقنا في تحقيق ذلك، وألا ينطبق علينا رأي بعض العلماء الذين يعتقدون أن النظام الديمقراطي إذا مارسه شعوب جاهلون بمبادئه وقيمه سيكون وبالاً عليهم، وقد يكون أخطر عليهم من النظام الدكتاتوري.

د. عبدالمحسن حمادة