في خضم المواجهة التي تخوضها مع الغرب الذي يسعى إلى رص صفوفه منذ فوز الديمقراطي جو بايدن، بعد أربعة أعوام من الفوضى في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بدأ وزير الخارجية الصيني وانغ يي من السعودية، أمس، جولة في منطقة الشرق الأوسط، تشمل كذلك تركيا وإيران والإمارات وسلطنة عُمان والبحرين، حاملاً مبادرة تتعلق بأزمات المنطقة، في تحرّك يتناقض مع تحفُّظ بكين التقليدي، فيما يخص السياسة الخارجية.

Ad

مقترحات وملفات

وكشف وانغ عن مبادرة صينية تساهم في أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، وتتطرّق الى معالجة ملفات إيران واليمن وسورية والسلام الإسرائيلي - الفلسطيني.

ونقلت قناة «العربية» الفضائية المملوكة لسعوديين، عن وانغ قوله في مقابلة، إن الحكومة الصينية تنوي دعوة شخصيات فلسطينية وإسرائيلية لإجراء محادثات في بكين، من دون أن يقدّم تفاصيل أو أن يتضح على الفور ما إذا كان يقصد ممثلين رسميين عن حكومتي الطرفين.

وعرضت الصين نفسها عدة مرات في السابق كبديل للولايات المتحدة فيما يتعلق بالوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بطرح مقترحات لإنهاء الصراع المستمر بينهما منذ عقود.

كما عبّر الوزير الصيني عن دعمه لمبادرة أعلنتها السعودية الاثنين لإنهاء الحرب في اليمن، ودعا الى تنفيذها بأسرع ما يمكن للتوصل إلى تسوية توقف الحرب هناك.

وفيما يخص العلاقات العربية ـــ الإيرانية، وتحديداً الملف النووي الإيراني، قال الوزير الصيني: «ندعو إلى الاحترام المتبادل بين دول الشرق الأوسط»، مجدداً التزام بلاده بـ «العمل لعدم انتشار الأسلحة النووية في المنطقة»، التي أكد «دعم جهودها لضمان خلوها من الأسلحة النووية». ولفت إلى أهمية دعم جهود الدول الإقليمية فيما يتعلق بملفّي سورية واليمن.

والتقى الوزير الصيني في الرياض الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي د. نايف الحجرف الذي جدد مطالبة دول المجلس بالمشاركة في أي مفاوضات دولية حول ملف إيران النووي. كما بحث مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان القضايا ذات الاهتمام المشترك، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

شد وجذب

الى ذلك، تواصلت المناكفات السياسية بين أوروبا والصين بعد تبادل العقوبات واستدعاء السفراء، وبعد استدعاء سفرائها في دول عدة إثر العقوبات التي فرضتها بكين على برلمانيين ومنظمات أوروبية، دانت الصين أمس، «مضايقات ونفاق» الأوروبيين.

وقالت الناطقة باسم «الخارجية» الصينية هوا شونيينغ أمام الصحافيين: «الصين لا تقبل هذه الطريقة غير العقلانية من بعض الدول الأوروبية لاستدعاء سفرائها».

وبعد هولندا في اليوم السابق، استدعت ألمانيا وفرنسا والدنمارك والسويد وليتوانيا سفراء بكين أمس الأول. ويفترض أن تقوم بلجيكا وإيطاليا بالخطوة نفسها بعد فرض بكين عقوبات على 10 من أعضاء البرلمان الأوروبي.

وردّ النظام الصيني بذلك على العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي لقمع أقلية الأويغور المسلمة في منطقة شينغيانغ التي تتمتع بحكم ذاتي بشمال غرب الصين.

واستدعت بكين بدورها عددا من السفراء الأوروبيين المتمركزين في بكين.

وقالت هوا إن «الأوروبيين يسمحون لأنفسهم بتشويه سمعة الآخرين ومهاجمتهم وفرض عقوبات تعسفية بناء على معلومات وأكاذيب، لكنّهم يرفضون السماح للصين بالردّ والتصدي لذلك».

وأضافت أن التعليقات الأكثر حدّة صدرت عن باريس، حيث انتقدت وزارة الخارجية الفرنسية السفير لو شاي، واتهمته بإطلاق «إهانات وشتائم وتهديدات» ضد الباحث أنطوان بونداز وبرلمانيين فرنسيين ينوون التوجه إلى جزيرة تايوان التي تعتبرها بكين جزءا لا يتجزأ من الأراضي الصينية.

ووصفت السفارة الصينية، في بيان، الخبير في شؤون آسيا بـ «مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية» (إف آر إس) بونداز بأنه «شاب أرعن» و«كلب مسعور».

ولم يتوجه السفير الصيني في باريس إلى «الخارجية» على الفور، بعد استدعائه الاثنين، مشيرا إلى جدول أعمال مثقل، وقالت هوا إن «لدى سفرائنا أجندات خاصة بهم».

الحزام والطريق

على صعيد آخر، أكد تقرير لـ «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي، أنه على الرغم من مبادرات الإدارات السابقة والحالية، هناك مخاوف جديدة من أن الولايات المتحدة تقصّر في مواجهة النفوذ الجيوسياسي المتزايد للصين.

وأوضح التقرير أن «تقاعس الولايات المتحدة، الذي يقابله الإصرار الصيني، مسؤول عن المأزق الاقتصادي والاستراتيجي الذي تجد الولايات المتحدة نفسها فيه. وساعد الانسحاب الأميركي في خلق الفراغ الذي ملأته الصين بمبادرة الحزام والطريق».

ووفقًا لتقييم المجلس، فإنه «رغم أن الولايات المتحدة حدّدت منذ فترة طويلة اهتماماً بتعزيز البنية التحتية والتجارة والاتصال في جميع أنحاء آسيا لمواجهة طريق الحرير الصيني، فإنها لم تلبِ الاحتياجات المتأصلة في المنطقة، وكانت استثماراتها في العديد من بلدان مبادرة الحزام والطريق محدودة، وهي آخذة في الانخفاض الآن».

وقال المحلل البحثي في المجلس وأحد المؤلفين المشاركين في التقرير، ديفيد ساكس، إن «مبادرة الصين التي تقدر بمليارات الدولارات غير مقيّدة جغرافيًا، لذا فهي الآن في أي مكان وفي كل مكان، وقد تجاوزت البنية التحتية التقليدية».

من ناحيته، اعتبر جاك ليو، الذي شغل سابقًا منصب وزير الخزانة الأميركية ورئيس موظفي البيت الأبيض، أن «مبادرة الحزام والطريق تُعزّز قدرة الصين على إبراز قوتها عبر المنطقة والعالم».

وتابع: «يحتاج صانعو السياسات إلى تقديم بدائل لمبادرة الحزام والطريق حيثما أمكن ذلك، وتثقيف البلدان الأخرى بشأن ما ينطوي عليه ذلك والردع عند الضرورة». وقال ليو: «جعلت الصين الاستثمار في البنية التحتية أولوية قصوى. والولايات المتحدة لم تفعل ذلك».

أما الممثلة التجارية الأميركية السابقة جينيفر هيلمان، وهي واحدة من مؤلفي تقرير مجلس العلاقات، فقد رأت أن «الصين يُنظر إليها الآن على أنها أقوى من الولايات المتحدة في أجزاء من إفريقيا وآسيا، بسبب مبادرة الحزام والطريق».

وتابعت: «علينا العودة إلى اللعبة، من خلال انضمام الولايات المتحدة، أو إعادة الانضمام إلى الاتفاقيات التجارية التي انسحب منها الرئيس السابق دونالد ترامب».

ويؤكد المسؤولون الأميركيون الحاليون، أن إدارة الرئيس جو بايدن ستغيّر ذلك. وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية لـ «صوت أميركا»: «المنافسة مع الصين هي عامل يشجع الولايات المتحدة على رفع مستوى لعبتها الدبلوماسية في جميع المجالات». وأضاف: «من المهم تعزيز تحالفاتنا، لا سيما بين الدول الأصغر التي قد تتعرّض لضغط معيّن من الصين».

وأطلقت إدارة بايدن هذا الأسبوع مبادرة اقتصادات الجزر الصغيرة وأقل عددًا من السكان (SALPIE)، معلنة أنها ستعزز التعاون الاقتصادي للولايات المتحدة مع البلدان والأقاليم الجزرية في مناطق البحر الكاريبي وشمال المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ.