أموال وخدمات «حزب الله»
من أهم الكتب التي ظهرت بالفارسية عن "حزب الله" اللبناني كتاب الباحث الإيراني د.مسعود أسد اللهي تحت عنوان "الإسلاميون في مجتمع تعددي: حزب الله في لبنان نموذجا"، وقد ترجمت هذا العمل الأكاديمي إلى العربية د.دلال عباس ونُشر في بيروت سنة 2004، والكتاب في الأصل أطروحة دكتوراه مقدمة في "جامعة الإمام الصادق" بطهران، ونالت من وزارة الإعلام الإيرانية جائزة أحسن أطروحة دكتوراه في إيران سنة 2000.الدراسة بحث شامل في (462) صفحة، لمختلف جوانب وعلاقات "حزب الله" والتي تسمح الظروف ببحثها بالطبع في الجامعات الإيرانية، واستعان باحثها بالكثير من المراجع الفارسية والعربية والغربية، فهو إذاً رغم كل شيء عمل أساسي في مجاله، ومرجع مهم عن "حزب الله". ما يهمنا هنا تناول الكتاب من بين أشياء كثيرة في فصوله الخمسة المساعدات المالية والخدماتية التي تعطيها الحكومة الإيرانية لـ"حزب الله" وما يعطيه الحزب بخاصة الى الشيعة في لبنان، ننقل تفاصيلها من الكتاب بكل دقة من الفصل الثالث.
يقول الباحث: "لحزب الله دور لا يضاهى في تقديم المساعدات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فالخدمات التي يقدمها "حزب الله" للشعب اللبناني وخاصة إلى الشيعة لا نظير لها لدى الأحزاب والجماعات اللبنانية الأخرى، وهي أفضل وأهم- باعتراف الجميع- من الخدمات التي تؤديها الحكومة اللبنانية للفئات المحرومة في هذا البلد، ويعود تقديم هذا النوع من الخدمات الى المرحلة التي كان فيها الحرس الثوري ينشط في لبنان، وقد عمد قبل الشروع بنشاطه العسكري في لبنان الى إنشاء شبكة من المراكز الاجتماعية مستخدما المساعدات المالية الإيرانية، وبعد أن تشكل تنظيم "حزب الله" نقل الحرس هذه المراكز بالتدريج الى الحزب وعهد بإدارتها إلى أشخاص لبنانيين ويقول د.أسد اللهي عن الخدمات: "أخذ "حزب الله" منذ العام 1984 يوسع مراكزه الخدماتية تدريجيا وافتتح مدارس ومستوصفات ومستشفيات وتعاونيات استهلاكية عديدة في المناطق اللبنانية المختلفة وبشكل أساسي في المناطق الشيعية كما أقدم الحزب على تأسيس عدد من المؤسسات كـمؤسسة الشهيد 1983 وجهاد البناء 1984 والهيئة الصحية الإسلامية 1985 وجمعية الإمداد 1987 ومؤسسة الجرحى 1990 وغيرها. (ص217)، بل نافس "حزب الله" الحكومة اللبنانية في الحالات الطارئة فمثلا: "في الأزمة التي حدثت في عام 1992 حين غطت الثلوج معظم الطرقات الأساسية والفرعية في لبنان، وعطلت حركة السير أقدمت آليات وجرافات "جهاد البناء" التابعة لحزب الله على تقديم المساعدة للأشخاص الذين علقوا في المناطق البعيدة أو على الطرقات المقفلة وكذلك لأهالي المناطق اللبنانية النائية، في حين لم تقدم الحكومة اللبنانية خدمات ذات قيمة في هذا السياق".واصل "حزب الله" خدماته وسط تناحر الميليشيات، يقول د.أسد اللهي: "وقد كان لبنان لا يزال في غمرة الحرب الأهلية عندما أطلق "حزب الله" خدماته الإنعاشية، وفي هذا البلد الذي كانت الحكومة فيه عاجزة عن كبح جماح الميليشيات المتحاربة والذي غابت عنه أبسط الخدمات الضرورية لبقاء الإنسان وجد "حزب الله" نفسه مغمورا وفي أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات أي في أثناء حرب التحرير التي أعلنها ميشال عون كانت الضاحية الجنوبية تشهد معاناة صعبة، ففي أثناء تلك الحرب قطعت حكومة عون الماء والكهرباء عن بيروت الغربية والضاحية الجنوبية في محاولة منها لإرغام المسلمين على الاستسلام في ظل تلك الظروف باشرت "جهاد البناء" عملها من أجل حل المشكلة وأرسلت مئات الخزانات المخصصة لمياه الشرب الى الضاحية الجنوبية ولاحقا الى احياء بيروت الغربية".برز نشاط "حزب الله" في مجال إنشاء المدارس والتعليم: "وقد استطاعت هذه المدارس بتقديمها خدمات تربوية وتعليمية راقية أن تنال شهرة كبيرة في لبنان، وبخاصة بين الشيعة، بحيث إن العائلات حتى المنتمية منها الى حركة أمل مالت إلى تسجيل أبنائها في هذه المدارس، وهذا التسجيل منوط بحجز الأماكن مسبقا، وبما أن الحكومة اللبنانية لا تسمح للمدارس الخاصة بتقديم التعليم مجانا عمد "حزب الله" على استيفاء مبالغ معينة لا ترهق كاهل الفئات الفقيرة في المجتمع الشيعي".وفي مجال التنظيم المدني والعمراني والبلدي برزت الضاحية الجنوبية كنموذج للمناطق ذات الأغلبية الشيعية، يقول د.أسد اللهي: "للضاحية أهمية سياسية لا بديل عنها بالنسبة الى "حزب الله" فهي المكان الذي يسير فيه التظاهرات الدينية والسياسية ومن بينها مسيرة عاشوراء، مراسيم تأبين الشهداء، مسيرة يوم القدس، وغيرها، وقد استطاع "حزب الله" عن طريق فعالياته في الضاحية أن يوصل صوته الى رجال السياسة في لبنان، كما أن معظم مؤيدي "حزب الله" هم من الشيعة المهجرين إلى الضاحية، فهؤلاء بحاجة الى عمل والى مسكن و"حزب الله" هو الذي يلبي احتياجاتهم بتقديمه للخدمات المتنوعة، ويضفي عليهم شخصية سياسية واجتماعية مقابل الطوائف اللبنانية الأخرى". (ص220).ماذا عن مصادر تمويل "حزب الله" الخارجية والداخلية؟ يعدد منها د.أسد اللهي خمسة رئيسة هي:«1 - المساعدات المالية الإيرانية. 2 - مساعدات من داخل لبنان.3 - مساعدات التجار اللبنانيين في المهجر.4 - الحقوق الشرعية وأبرزها الزكاة والخُمس.5 - الاستثمارات الاقتصادية ومنها تأسيس المتاجر الكبيرة ذات الفروع واستيراد البضائع من سائر البلدان، وبخاصة من إيران". ويلاحظ الباحث أن الشيعة عامة و"حزب الله" خاصة لم ينجحا النجاح كله في هذا المجال لأن الاقتصاد والتجارة في لبنان محصوران تاريخيا في أيدي المسيحيين والسنّة، (ص223).ونتأمل المصدر الأول من المساعدات المالية، حيث يقول د.أسد اللهي ما يلي: "يتلقى "حزب الله" مساعدات مالية من إيران سنويا من طريقين: أولا، مساعدات مالية تقدمها المؤسسات التي يشرف عليها قائد الثورة الإسلامية آية الله علي الخامنئي، ولها ميزانية مستقلة عن الحكومة الإيرانية. وثانيا، المساعدات التي تقدمها الحكومة الإيرانية والمؤسسات الرسمية". (أسد اللهي ص221).ويتبين مما سبق أن الأموال والأرصدة في المؤسسات التي يشرف عليها الولي الفقيه مرشد الثورة السيد علي الخامنائي، لا تخضع لأي رقابة برلمانية أو إشراف حكومي أو سلطة محاسبية عامة من أي نوع، ويقول د.أسد اللهي إن "لها ميزانية مستقلة عن الحكومة الإيرانية".(الإسلاميون في مجتمع تعددي ص222).