تاريخياً قُسّمت العهود الرئاسية في لبنان إلى ثلاث مراحل؛ سنتان لبداية العهد وتركيز الرئيس لأركان حكمه وطرح مشروعه، وسنتان للعمل على تطبيق وتنفيذ هذا المشروع، في حين تخصص السنتان الأخيرتان لاستعدادات العهد المقبل، حيث غالباً ما يعمل الرؤساء على توفير الظروف السياسية المناسبة لمن يؤيد مشروعهم أو ينتمي إلى حزبهم لانتخابه خلفاً لهم. الرئيس ميشال عون شذّ عن هذا العرف؛ إذ بدأ عهده بسلسلة اشتباكات سياسية مع معظم القوى المحلية والخارجية، سعياً وراء توفير الظروف الملائمة لصهره، جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، لخلافته في بعبدا، مما يعني أن معركة السنتين الأخيرتين بدأت منذ اليوم الأول للعهد.
شذّ عون عن أعراف الرؤساء الذين سبقوه أيضاً في أنه الوحيد الذي قارب عهده على النهاية، بينما لم يقم، باستثناء زيارة السعودية، بأي زيارة رسمية للخارج، واقتصرت سفراته الأخرى على المشاركة في مؤتمرات الجامعة العربية والأمم المتحدة.كانت زيارة عون للسعودية مفصلية لاستيضاح ملامح عهده، وبحسب ما تكشف مصادر مطّلعة على فحوى الزيارة حينها، فإن السعودية رحبت بشدة بعون، وأبدت كل الاستعداد لمساعدة لبنان، لكن بشرط واضح هو الالتزام بمقررات الجامعة العربية والنأي بالنفس وعدم تبني أي موقف لبناني يؤيد الاعتداءات على أي دولة عربية، خصوصاً على المملكة.تعهد عون بذلك، لكنه لم يف بالوعد. وتكشف المصادر عن لقاء عقد وقتها بين وزيري الخارجية آنذاك السعودي عادل الجبير، واللبناني جبران باسيل، تعهد خلاله الأخير بعدم تبني سياسة «حزب الله» أو إلزام الدولة اللبنانية بها، بالإضافة إلى البحث في الاستراتيجية الدفاعية والالتزام بالنأي بالنفس. عاد الوفد اللبناني من السعودية، ولم يلتزم بأي من التعهدات التي قدّمها. وعلى الرغم من ذلك، تم وضع 22 اتفاقاً استثمارياً بين لبنان والرياض، كان يفترض أن يتم توقيعها، لكن ذلك لم يحصل. وبحسب ما تقول مصادر دبلوماسية سعودية فإن السبب وراء ذلك يعود إلى رفض «حزب الله» وعون الدخول في أي تعاون استثماري مع الرياض.لذلك اتخذت السعودية قرارها بوقف دعم لبنان، والذي تحول كدولة إلى منصة لمهاجمة السعودية والاعتداء عليها. هذا الموقف السعودي كان له الأثر الكبير على عزل عون وعدم استقباله في الخارج، وعدم قدرته على القيام بزيارات رسمية لأي دولة. واليوم، وفي حين انطلق عداد السنة الأخيرة من عهده، يبحث عون عن فرص لفك العزلة، التي أوجد نفسه بها، وقرر، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان المقبل على انهيار سحيق، إعادة إحياء العلاقة مع السعودية. وجه عون ثلاث دعوات للسفير السعودي وليد البخاري لزيارته في القصر الجمهوري. لم يستجب السفير في المرتين الأولى والثانية، لكنه في الثالثة وجد نفسه مضطراً بروتوكولياً لإجراء الزيارة، بعدما وجّه عون له دعوة رسمية. وتكشف مصادر مطلعة على اللقاء، الذي جرى بين الرجلين، أن عون حمّل مسؤولية تعطيل الحكومة للرئيس المكلف سعد الحريري، وطلب مساعدة السعودية في الموضوع الحكومي. وتضيف المصادر أن الجواب السعودي كان واضحاً بأن المملكة لا تتدخل بالشأن اللبناني، وهي جاهزة لمساعدة لبنان في حال قرر اللبنانيون مساعدة أنفسهم، بتشكيل حكومة تتلاقى مع التطلعات الدولية وشروط المجتمع الدولي، والعمل على تطبيق الخطة الإصلاحية، والقرارات الدولية وخصوصاً 1559، و1701، والالتزام بالنأي بالنفس. وهو الموقف الذي كرره السفير السعودي في تصريحاته، التي أطلقها من على منبر القصر الجمهوري بعد اللقاء.حركة السفير السعودي استدعت الكثير من الأسئلة المحلية والخارجية، كما فعّلت الحركة الدبلوماسية في بيروت، من خلال لقاءات قام بها سفراء الكويت والولايات المتحدة وفرنسا.ويأتي كل ذلك وسط تهديدات من قبل الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين، الذين يتحملون مسؤولية التعطيل واستمرار الانهيار. وكشفت مصادر متابعة أن السعودية تبحث أيضاً احتمال اللجوء إلى فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين، وهذا سيكون مدار بحث بين دول مجلس التعاون الخليجي، بسياق متكامل مع المساعي الأوروبية.كل المؤشرات تفيد بأن لبنان مقبل على مرحلة من الجمود السياسي، بفعل عدم قدرة القوى اللبنانية على إنتاج أي حل، وبعد فشل كل المبادرات الخارجية والداخلية. ويبدو أنه ليس أمام اللبنانيين سوى مراقبة الحراك الدبلوماسي في الداخل، والحراك الدولي في الخارج، بانتظار متغيرات إقليمية، لكن المشكلة أن لبنان لا يمتلك ترف الوقت. وإذا كان اللبنانيون لا يملكون القدرة على التأثير في الحراك الدولي والإقليمي، فما الذي يمنع القوى السياسية من التوقف عن اللجوء إلى لعبة شراء الوقت، مرة بتهدئة الجبهات وبالضغط على مصرف لبنان للجم ارتفاع سعر الدولار في الأسواق، ومرة أخرى بالضغط على الجيش والأجهزة الأمنية لمنع حصول أي تظاهرات أو لقمع الانفجار الاجتماعي المتوقع حصوله؟
أخبار الأولى
3 أهداف لتحرك عون باتجاه السعودية
25-03-2021