أحياناً نشاهد في حياتنا مجهوداً كبيراً يُبذل وتكون نتيجته غير مُرضية، وأحياناً أخرى نجد مجهوداً صغيراً يُبذل، وتكون نتيجته أكثر من مُرضية، ويرجع ذلك إلى الصدق والجدية في المجهود المبذول، إضافة إلى عدالة القضية المقصودة. وفي ثنايا التاريخ يوجد الكثير من الأحداث والشواهد الدالة على ذلك، وسأبيّن لكم حادثة مررت بها خلال فترة عملي بالهند قبل أكثر من 15 سنة.
طلبت موعداً في عام 1993 مع أحد رجال الإعلام البارزين في الهند، هو الأستاذ إن. رام صاحب شركة إعلامية كبيرة تمتلك صحيفة "هندو" اليومية (تُطبع بالإنكليزية) ومجلة "فرونت لاين" نصف الشهرية.لم تكن لي علاقة بالسيد رام، لكنني أردت أن أبدأ علاقة مهنية مع رجل إعلامي من الطراز الأول في الهند، ولذلك حجزت تذكرة وسافرت إلى مدينة مدراس لمقابلته، وبعد أن رحّب بي في مكتبه وتعارفنا، سألني إن كنت قد قرأت جريدته في ذلك اليوم، فأجبته بأنني قرأت الصفحة الأولى، واستغربت لنشره خبراً يشوّه سمعة الكويت. كان الخبر منشوراً بالخط العريض، وعنوانه "كويتي يغتصب خادمته الهندية".سألني ما هو رأيي في الخبر؟، فقلت له إن الخبر بشكله المنشور يحرّض الهنود ضد الكويت وشعب الكويت، وكأنّ الكويتيين جميعهم وحوش ولا يحترمون القانون أو حقوق الإنسان.بعدها دار الحديث حول عدة أمور تتعلّق بالعمالة الهندية في الكويت وأهميتها بالنسبة للبلدين، وأوضحت له أن أخطاء أعداد بسيطة من الكويتيين لا يمكن أن تمسح الإيجابيات الكثيرة التي تتميز بها العلاقات الكويتية - الهندية التاريخية. قلت له إن الجرائم أياً كان نوعها ضد العمالة المنزلية، سواء كانت هندية أو غيرها، لا تحدث في البلد المضيف فقط، بل حتى في البلد الأم، وذلك لا يعني أن الحكومة الكويتية تتساهل تجاه هذه الجرائم، بل على العكس، تقوم الحكومة بدورها وتحيل القضايا للمحاكم لتأخذ دورها لحين صدور أحكام حول ذلك، استناداً إلى حقائق القضية وإثباتاتها.كما أوضحت له أن نسبة الجرائم ضد العمالة تكاد لا تذكر، وهي نسبة ضئيلة جداً، ويجب ألا تكون سبباً في تشويه سمعة الشعب الكويتي.وبعد نقاش استمر أكثر من ساعة، اتفقت مع السيد رام على أن يزور الكويت للاطلاع بنفسه - من غير ضغوط أو شروط - على حالة الجالية الهندية، وأن يتعرّف على الكويت من خلال الالتقاء بعدد من الشخصيات الأكاديمية والسياسية والإعلامية.كان المجهود المبذول لكسب شخصية إعلامية هندية كبيرة هو تذكرة سفر ولقاء لمدة ساعة تقريباً وحوار جاد وصادق، وكانت النتيجة أنه قبلَ زيارة الكويت، وتم الترتيب للزيارة في شهر أكتوبر. فوجئت بعد الزيارة بأن السيد رام قرر الكتابة عن زيارته ليس في ربع أو نصف صفحة أو حتى صفحة واحدة، بل كان قراره أن يكتب بشكل إيجابي، وأن يضع رأيه المحايد في عشرين صفحة في مجلة "فرونت لاين" الناطقة باللغة الإنكليزية.وكان على رأس المواضيع التي طرحها موضوع حقوق العمالة الهندية في الكويت، حيث أشاد بوضعها والفوائد التي تجنيها الدولتان من ذلك. تحية احترام وإعجاب لذلك الرجل صاحب القلم الصادق والمخلص.
أخر كلام
صورة لها تاريخ: عملاق الصحافة الهندية يصحح موقفه من الكويت بعد زيارتها
26-03-2021