فوجئ أهل بغداد، في وقت مبكر صباح أمس، بانتشار عشرات السيارات التابعة لفصائل مسلحة، لم تعلن هويتها، تولت تمزيق صور لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وقائد كبير في القوات المسلحة هو اللواء أحمد أبو رغيف، الذي يحقق في ملفات فساد بمليارات الدولارات تورطت فيها أحزاب موالية لإيران على الأغلب، فيما يعرف بملف «قصر النهاية»، وهو مكان تشغله المخابرات حالياً، وشهد النهاية المأساوية للعائلة المالكة عام 1958.
ويأتي هذا الانتشار ليحرج جميع الأطراف، بعد أن سادت هدنة نسبية بين الحكومة والفصائل انتظاراً لتغيير في سياسة البيت الأبيض في عهد الرئيس جو بايدن، لكن تطورت لهجة واشنطن وبات خطابها يتضمن إضافة المشروع الصاروخي الإيراني، وتمدد طهران في أمن المنطقة، مما يعقّد توقعات طهران ومتطلبات هدنة الفصائل في العراق، إلى جانب تطور داخلي يتزايد كلما اقترب موعد الانتخابات العامة في الخريف العراقي واشتداد التنافس بين مؤيدي سيادة الدولة وحركة احتجاج «تشرين» الشعبية، وأنصار التقارب مع إيران.وانشغل الكاظمي منذ سبتمبر الماضي بمطالبات دولية لضبط حركة المال في العراق ومستويات الفساد الرهيبة، التي يقال إن التحقيقات في قصر النهاية كشفت صلتها بتمويل الحروب في سورية ولبنان واليمن، فضلاً عن العراق.وتقول المصادر، إن الكاظمي سيبدأ بعرض اعترافات تمس الفصائل ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بنحو تدريجي وصولاً إلى الانتخابات، التي ستخضع للمرة الأولى، إلى رقابة دولية شاملة يمكن أن تمنح الجمهور فرصة إجراء تغيير عميق في أوزان الكتل النيابية خصوصاً حلفاء إيران.
كل المؤشرات الداخلية والخارجية قد تصنع صيفاً عراقياً ساخناً أكثر من المتوقع، خصوصاً أن بغداد عادت كوجهة لوفود دبلوماسية رفيعة من دول الخليج العربي، آخر ذلك كانت زيارة وزير الخارجية القطري، أمس الأول، وحديثه عن إجماع خليجي للحوار مع العراق حول أمن المنطقة والتحديات المشتركة، كما تترقب الأحزاب المتنافسة نهاية الشهر الجاري قمة مع مصر والأردن في العاصمة العراقية، وترتبك حسابات الأجنحة ومضارباتها وسط التوتر الدولي.وجاء انتشار المسلحين الذي استخدم عبارات قاسية بحق الكاظمي وقادة الأمن وهدد بقطع أذن رئيس الحكومة، محرجاً لزعماء سياسيين يمتلكون أجنحة مسلحة، إذ دفع زعيم التيار الصدري إلى إدانة هذا الانتشار والمطالبة بالتعامل العاجل معه، بينما سخر الجمهور من بطء ردود فعل الحكومة التي تفضل طرح الحقائق الجديدة بنحو تدريجي وتتحاشى تصادماً مع المسلحين إلا إذا حصل توافق بين مراكز القوى الدينية والسياسية الكبرى حول وضع حد للمسلحين، لأن ذلك قد يعني حرباً داخلية طويلة في العراق، مقابل فرص استثمار عربي ودولي واعدة في مجال الصناعة والزراعة والترانزيت التجاري.وعادة ما ينتهز المسلحون فرصة ظهورهم لينتقدوا محلات الكحول والنوادي الليلية في العراق، لكنهم هذه المرة طالبوا بخفض سعر الدولار الذي عرقل وصول البضائع الإيرانية إلى سوق العراق الواعد وشجع الإنتاج العراقي المحلي خصوصاً في المحاصيل الزراعية.ويحاول أصدقاء مشتركون، حسب وصف المصادر، تبريد الأجواء بين طهران وبغداد، لكن الأمور لا تستقيم منذ أن بدأت حركة «تشرين» الشعبية بحرق مراكز تابعة لإيران وحلفائها وورطت الفصائل في اغتيال الناشطين وخطفهم، ثم السياسة المتقاربة نسبياً مع الحراك الاحتجاجي، والتي اعتمدتها حكومة الكاظمي، المتهم بأنه حليف أكثر مما ينبغي لواشنطن.