مع تزايد حالة انعدام اليقين بشأن جدية إيران وإدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن في إحياء الاتفاق الدولي بشأن برنامج طهران النووي المبرم عام 2015، رجحت روسيا أن يتم البت في إمكانية العودة للعمل بالصفقة الذرية مع طهران في غضون شهر ونصف الشهر إلى شهرين. وقال الممثل الدائم لموسكو لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، ميخائيل أوليانوف: «فيما يتعلق بإيران، أعتقد أن الوضع لايزال مبهما. الدول المشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة، تمر الآن بمرحلة انتقالية، وفي غضون شهر ونصف الشهر إلى الشهرين المقبلين، سيتقرر ما إذا كان من الممكن البدء في إنعاش الاتفاق النووي، أو ستبقى الصفقة في حالة شبه مفككة حتى نهاية العام».
وأضاف أوليانوف، أن اقتراب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة في 18 يونيو المقبل، يزيد من صعوبة التفاوض على إعادة العمل بالاتفاق، كذلك قرار البرلمان الإيراني تقليص نطاق أنشطة التفتيش للوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران.ووسط غياب أي تفاهم بين إدارة بايدن والسلطات الإيرانية حول خطوات إحياء الاتفاق، أشار الدبلوماسي الروسي إلى عدم وجود أي مفاوضات مباشرة بشأن الموضوع، لكنه أكد أن «الاتصالات الدبلوماسية مستمرة».وشدد أوليانوف على أنه يجب على واشنطن بالذات أن تبادر باتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة إيران للوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، لأن واشنطن خرجت، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، من الصفقة وتسببت بضرر اقتصادي هائل لإيران. ودعا واشنطن إلى اتخاذ أول الخطوات في هذا المجال، بإلغاء العقوبات التي فرضها ترامب على طهران. لكنه أعرب عن شكه في أن إدارة بايدن، التي تسعى إلى جعل امتثال طهران لاتفاق 2015 منصة من أجل توسيع التفاهم معها بشأن ملفات من بينها تسلحها الباليستي وأنشطتها في المنطقة، مستعدة فعلاً لتنفيذ هذه الخطوات.
قلق بايدن
ويأتي التوقع الروسي بحسم مصير اتفاق 2015، الذي يهدف لتقييد قدرة طهران على تطوير سلاح ذري، بعد يومين من إبرامها والصين اتفاقية استراتيجية للتعاون تمتد ربع قرن، في خطوة رأى خبراء أنها ستعقد مسار إحياء الاتفاق النووي بعد حصول إيران، التي ترزح تحت وطأة عقوبات ترامب الاقتصادية، على «الهواء للتنفس». وبعد أن دعا إلى تطوير «طريق ديمقراطي» بمشاركة لندن لمواجهة مشروع بكين «الحزام والطريق» الرامي إلى التمدد باتجاه الشرق الأوسط وأوروبا، أعرب بايدن، عن قلقه من معاهدة التعاون بين الصين وإيران.وفي رد على تساؤلات قبل صعوده على متن الطائرة الرئاسية، مساء، أمس الأول، حول «معاهدة الربع قرن» وتنامي الشراكة بين بكين وطهران، قال بايدن إن ذلك «يقلقني منذ سنوات».انصراف إيراني
في المقابل، أبدى أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، مؤشرات على إمكانية انصراف بلاده عن قبول الدخول بالمسار الدبلوماسي، الذي تسعى إدارة بايدن لتفعيله من أجل التوصل لتفاهمات تعالج عدة قضايا من ضمنها «الاتفاق النووي». وعلق أمين مجلس الأمن القومي الإيراني على شمخاني على تصريحات الرئيس الأميركي بالقول، إنّ «قلق بايدن في مكانه: ازدهار التعاون الاستراتيجي في الشرق، يسرّع من التراجع الأميركي».وأضاف شمخاني، أنّ «توقيع خريطة طريق الشراكة الاستراتيجيّة بين إيران والصين، هو جزء من سياسة المقاومة النشيطة».وأشار، في تصريح على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أنّ «العالم لا ينحصر في الغرب فقط، كما أنّ الغرب لا يقتصر على الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا«. ولم تعلن إيران عن تفاصيل المعاهدة المثيرة للجدل قبل توقيعها، ودافعت عن عدم نشر تفاصيلها بعد إبرامها.وقوبلت الاتفاقية باعتراضات داخلية شديدة استدعت تدخل المرشد الأعلى علي خامنئي لحسمها بعد اتهام المعارضين السلطات بـ«بيع البلد» لبكين وبالتخلي عن شعار الجمهورية الإسلامية «لا غربية ولا شرقية».وعلمت «الجريدة» في وقت سابق من مصدر أن مسودة الاتفاقية تشمل استثمارات صينية تقدر بنحو 400 مليار دولار في عدد من المجالات المدنية الحيوية، إضافة إلى تعزيز الصناعات العسكرية والتسلح مقابل منح النفط لبكين لمدة 25 عاماً بأسعار مخفضة والسماح لها بالنفاذ لقواعد عسكرية في الخليج.إلى ذلك، صرح نائب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمود جعفري، بأن القيود المصرفية الأميركية قد تجبر إيران على وقف العمليات في محطة بوشهر للطاقة النووية للأغراض المدنية والتي يتم تشغيلها بالتعاون مع روسيا.تحذيرات وتداعيات
من جانب آخر، حذرت تقديرات إسرائيلية من التداعيات الخطيرة لوثيقة التعاون الشامل التي وقعت عليها، السبت الماضي، طهران وبكين، على مصالح تل أبيب الاستراتيجية. ولفتت أوساط عبرية إلى أن الوثيقة «ستعزز من قدرة طهران على المساومة، عند التفاوض على أي اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة»، معتبرة أن معاهدة الربع قرن تمثل «تهديداً استراتيجياً يمكن أن يتطور إلى تهديد وجودي».وتوقع البعض أنه في حال استنفدت بكين وطهران كل الطاقة الكامنة في اتفاق التعاون، فإن التطورات قد تحول الشرق الأوسط إلى «ساحة حرب باردة بين القوى العظمى بشكل يمثل تهديداً على إسرائيل لم تعرفه من قبل منذ حرب 1973».وأجمعت التقديرات الإسرائيلية على أن الاتفاق يحيد عمليا تأثير استراتيجية «العقوبات القصوى» التي فرضتها إدارة ترامب على إيران. واعتبرت أن الخطوة ستعزز من فرص التقارب بين تل أبيب والدول العربية الراغبة في مواجهة نفوذ إيران بالمنطقة.