مازال الحراك الدبلوماسي الأميركي - الأوروبي-الخليجي على الساحة اللبنانية آخذاً في التفاعل، وهناك اهتمامات متعددة يبديها السفراء الأجانب بالملف اللبناني، سعياً وراء تشكيل حكومة سريعة.

وفي هذا الإطار، دعت السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى ضرورة إجراء تسوية، بينما مازالت السفيرة الفرنسية مستمرة في بذل الجهود لتشكيل حكومة، ولو لم تكن كاملة المواصفات، في حين استأنف السفير السعودي نشاطه بقوة.

Ad

في هذه الأثناء، استضافت باريس اجتماعاً افتراضياً لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظرائه بدول الاتحاد الأوروبي، تم خلاله البحث في الملف اللبناني وضرورة تكثيف الضغوط في سبيل تشكيل حكومة تراعي التطلعات الدولية، وحماية لبنان من الانهيار.

وتشير الصورة إلى أن ما كان يطالب به البطريرك الماروني بشارة الراعي من تدويل للأزمة اللبنانية قد يكون تُرجم بهذا الحراك الدبلوماسي الداخلي، الذي تم في إطاره تفعيل حركة السفراء المعنيين بالملف اللبناني، فالتقى رئيس الجمهورية ميشال عون، بناء على دعوات وجهها، بسفراء السعودية وفرنسا والولايات المتحدة، كما عقد السفير السعودي وليد البخاري لقاءات مع سفيرتي واشنطن وباريس وسفير الكويت عبدالعال القناعي، الذي كان التقى أيضاً رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.

وفور تحرك البخاري، بدأ التفاعل مع حركته من جهات داخلية وخارجية مختلفة، في دليل على أن السعودية استعادت نشاطها بشكل بارز في لبنان. والهدف من كل هذه اللقاءات والتحركات هو وضع لبنان على سكة حماية الاستقرار، والبحث عن مخارج لتشكيل حكومة قادرة على كسب ثقة المجتمع الدولي، وذلك من خلال تنسيق أوروبي، أميركي خليجي.

وبحسب ما تكشفه معلومات، فإن السفيرة الأميركية كانت حريصة على ألا يُفهم من لقائها مع عون أنها تساند الأخير على حساب الحريري، وقد وجهت رسالة واضحة إلى رئيس الجمهورية وجبران باسيل حول ضرورة التنازل وعدم الاستمرار بفرض الشروط وتعطيل تشكيل الحكومة، وهو الموقف الأول من نوعه الذي تتخذه السفيرة الأميركية التي دعت إلى إبرام تسوية.

في المقابل، تكشف مصادر أميركية من واشنطن معطيات بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تهتم إلى حدّ بعيد بالاستقرار في لبنان، ويعنيها تشكيل حكومة اختصاصيين تتلاءم مع الشروط الدولية، وقادرة على تنفيذ الإصلاحات، ولكنها لا تريد الدخول في تفاصيل تشكيل الحكومة الجديدة، إنما الأهم هو برنامج عمل هذه الحكومة، وعدم تبني سياسات عدائية تجاه المجتمع الدولي والدول العربية.

وفي هذا السياق، تكشف المصادر المتابعة عن وجود تقارب في وجهات النظر بين الأوروبيين والأميركيين ودول الخليج حول ضرورة ممارسة المزيد من الضغوط على المسؤولين اللبنانيين لتقديم التنازلات والتوصل إلى حلّ.

من جانبه، بدأ الاتحاد الأوروبي إجراءات البحث عن الصيغ الكاملة لفرض عقوبات على مسؤولين وشخصيات لبنانية يتهمون بالتعطيل. وحسب المعلومات، فإن هذه العقوبات لا تنحصر فقط في الحد من حركة الأموال، بل تشمل كذلك الحد من حركة السفر، مما يعني فرض حظر سياسي ودبلوماسي على هؤلاء المسؤولين.

وتشير المعلومات إلى أن هناك بحثاً خليجياً متزامناً بالإقدام على خطوات مماثلة بدافع تحفيز القوى اللبنانية على تحمل مسؤولياتها والسعي إلى تشكيل حكومة سريعة تنفذ برنامج الإصلاح المطلوب.

وتجمع القوى الدولية والعربية على نقطة أساسية هي حماية لبنان من الانهيار، والحفاظ على الاستقرار، ويتجلى ذلك من خلال الإجماع على دور الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية في حماية اللبنانيين والمؤسسات. وفي هذا الإطار تفيد المعلومات بأن السفيرة الأميركية نقلت مجدداً إلى السفير السعودي رسالة أميركية حول ضرورة تقديم مساعدات للجيش اللبناني، الأمر الذي سيتم بحثه من جانب الرياض.

ومع فشل المبادرات الداخلية، يدرس السفراء في لبنان فيما بينهم ومع إداراتهم كل الاحتمالات والسيناريوهات المتوقعة. وتكشف المعلومات أن المداولات تدور حول أسئلة متعددة منها: ماذا لو شُكلت حكومة لا تراعي الشروط الدولية؟ وكيف سيتم التعاطي معها؟ لاسيما مع وجود إجماع بعدم ترك لبنان يذهب نحو الانهيار. وماذا لو اعتذر الحريري بسبب كثرة الضغوط وانسداد الأفق؟ وتجيب المصادر بأن الحريري لا يريد الاعتذار تحت أي ظرف، لكن في حال حصل ما ليس في الحسبان فإن التركيز سيكون حول عملية إعادة إنتاج السلطة، أي الاستقالات من المجلس النيابي والدفع نحو انتخابات نيابية جديدة وحكومة جديدة بانتظار استحقاق الانتخابات الرئاسية.

وبحسب المعلومات، فإنه في حال انتهاء ولاية عون من دون تشكيل حكومة وحلّ الفراغ في كل المؤسسات، ستبدو السيناريوهات صعبة جداً، حول إمكانية إعادة إنتاج السلطة، وأن احتمال تشكيل حكومة عسكرية انتقالية تحضر لانتخابات نيابية وفيما بعد تشكيل أخرى مدنية، الذي قد يطرحه البعض، يبدو بعيداً من التحقق وضعيفاً جداً.

وفي هذه الأثناء، هناك من يراهن على مفاوضات أميركية إيرانية تساهم في إنتاج تسوية معينة في لبنان، لكن ذلك يحتاج أيضاً إلى مزيد من الوقت.

منير الربيع