«نوادر البابطين»... في سروج الخيل
![خليل علي حيدر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/979_1666464911.jpg)
المقدمة تظهر كذلك أن الكتاب وليد المصادفات البحثية النادرة: "في المقدمة يذكر المؤلف أنه أجهد نفسه في البحث عن كتاب ألف في (الصافنات الجياد) إلى أن عثر على كتاب من تأليف الأمير محمد علي بن عبدالقادر الجزائري فُسرَّ به، ولكنه وجد أن الأمير لم يوضح فيه مبادئ علم الفراسة، وربما كان ذلك لضيق الوقت، واقتصر في كتابه على ما قاله الشعراء في مدح الفرسان والجياد". (ص 27)فكتاب "سراج الليل في سروج الخيل" محاولة من المؤلف "الحاصباني" اللبناني، لسد ثغرة اعتبرها تنقص من كتاب الأمير محمد علي الذي صنفه في "الصافنات الجياد"، ولكنه لم يوضح فيه مبادئ علم الفراسة، والأمير محمد علي يبدو من اسمه، نجل الأمير عبدالقادر الجزائري (1807-1883) المعروف في كتب التاريخ لدوره الوطني في تاريخ الجزائر، ودوره الإنساني في الحرب الأهلية اللبنانية بين الموارنة والدروز، حيث وقف عام 1860 ضد المذابح الطائفية، وقد هيأ له أصله القبلي وانتماؤه الديني طريق الزعامة، وصحب أباه الى بلاد المشرق للحج عام 1825، فزار وهو في طريقه لأداء الفريضة تونس ومصر والحجاز وبلاد الشام وبغداد.أعجب بالتنظيمات والإصلاحات التي أدخلها والي مصر محمد علي- ويبدو أنه سمى ابنه لاحقاً على هذه الشخصية المعروفة- ويقول "الزركلي" في موسوعة "الأعلام": "ولما دخل الفرنسيون بلاد الجزائر (سنة 1246هـ- 1843م) بايعه الجزائريون وولوه القيام بأمر الجهاد، فنهض بهم، وقاتل الفرنسيين خمسة عشر عاما، ضرب في أثنائها نقودا سماها المحمدية وأنشأ معامل للأسلحة والأدوات الحربية وملابس الجند. وكان في معاركه يتقدم جيشه ببسالة عجيبة، وأخباره مع الفرنسيين في احتلالهم الجزائر كثيرة، لا مجال هنا الاستقصائها. ولما هادنهم سلطان المغرب الأقصى عبدالرحمن بن هشام، ضعف أمر عبدالقادر، فاشترط شروطا للاستسلام رضي بها الفرنسيون، واستسلم سنة 1263هـ، 1847م".ويضيف الزركلي أن الفرنسيين نفوه إلى طولون وغيرها، وزاره نابليون الثالث فسرحه، مشترطاً ألا يعود إلى الجزائر ورتب له مبلغاً من المال يأخذه كل عام، فزار باريس والآستانة واستقر في دمشق 1855 وتوفي فيها.(انظر كذلك موسوعة أعلام العرب، بيت الحكمة، بغداد 2000 ص321) وقد نقل جثمانه عام 1966 الى الجزائر، وفي موسوعة الأعلام ذكر لكتابه "الصافنات الجياد" موضوع المقال.تساءلت مرة: هل بقي لدى المعاصرين وخصوصا الغربيين أي اهتمام بالعربات والسروج والخيل، بعد طغيان وسائل النقل الحديثة من سيارات وطائرات وعربات حديثة ذاتية الحركة وكهربائية؟! واستشرت الإنترنت في مادتي saddle وHorse seat فإذا الاهمتام واسع والمعلومات لا تحصى، فلم أسأل بعد ذلك عن اللجام والركاب وبقية المستلزمات.يتحدث "الحاصباني" في الباب الأول عن اللجام "ويعده ميزانا للفارس كالدفة للسفينة، ويعرض المؤلف لتطبيع الجواد وهو "إلباسه البردعة" فيشير إلى تدريب الجواد وعدد المرات والاهتمام بـ"ضبط الفخد"، فللفخذ ميزان وقواعد كاللجام"، وقد خصص المؤلف باباً كاملاً " في ضرب الركاب"، حيث لابد أن تكون الركاب ذات سعة حتى لا تشتبك الرجل إذا كبا الجواد بالفارس، وحذر المؤلف أنه "ينبغي للفارس أن يضع نصف رجله في الركاب وما بقي خارجاً، وأن يبعدها دائما عن بطن الفرس في حال جريها"، وأشار إلى وضع الرمح والسيف، وخصص الباب السابع لـ"إطلاق البارود وتعلم إصابة النيشان، على الأرض أولاً ثم التدريب على إطلاق البارود على ظهر الجواد". وأكد المؤلف أن "القاعدة في ذلك الثبات بحيث لا يفزع القلب ولا تطرف العين ولا تختلّ الكتف"، واهتم المؤلف بما يسمى في زماننا مع السيارات بالخدمة والصيانة، فخصص الفصل التاسع للبيطرة والعناية والوقاية، والعاشر "في طب أمراض مهمة من أمراض الخيل"، ومنها أمراض الحافر وجنون الخيل وبياض العين وأمراض الخيل الجلدية.وحرص المؤلف بعد حديثه عن المعارك التي خاضها، أن يقوم أبناؤه قبيل وفاته بإحضار جراح لاستخراج الرصاصات المستقرة في جسمه منذ زمن، "ليكون عبرة وعظة أنه استطاع أن يتحمل هذه الرصاصات ويعيش لمدة طويلة بعد إصاتبه بها".ويثير كتاب "سراج الليل في سروج الخيل" سؤالا حول وجود أي كتب مماثلة في المكتبة التراثية في تفاصيل إعداد الخيل للحرب أو للسباق، عن مستلزمات إعداد الجمال للسفر في القوافل وأنواع الهوادج... وغير ذلك!