نحن بحاجة جادة وملحة وصادقة إلى إعادة قراءة أوراق الوطن وترتيبها، فقد أضاعنا وأضاع البلد معنا، حقاً، سلوك بعثرة الأوراق أو خلطها أو إهمالها أو تمزيقها وربما حرقها.فهناك أخطاء وتراجعات كبيرة بحقّ الوطن، تكشفها قراءة أوراق الوطن، ارتكبتها أو ساهمت فيها جميع الأطراف، عن علم ودراية وإدراك، أو من دون علم أو بلا قصد، أو بسذاجة، وقد سُتِرَتْ حقائقها بمسلك غير حميد، تمثّل بالمجاملة أحياناً، أو بالتغافل أحياناً، وبالتحالفات أحياناً ثالثة، أو بتفريط متعمد أحياناً أخرى.
فقد عاشت الكويت معاناة حقيقية لأن تكوين الحكومة في معظم الأحيان غير متوافق مع أحكام الدستور واتجاهاته المختلفة، ولعل الأزمة المبكرة التي أفاق الكويتيون على إرهاصاتها في ديسمبر 1964، كانت هزّة سياسية مبكرة للعودة إلى المسار الصحيح في تشكيل الحكومات بالكويت، فقد جاءت هذه الحكومة مكونة من عدد من التجار الذين لديهم أعمال تجارية مباشرة، بالمخالفة لأحكام المادة 131 من الدستور، الأمر الذي دفع أعضاء مجلس الأمة إلى التداعي للانسحاب من جلسة أداء الحكومة القسم الدستوري أمام المجلس، وتمخّض عن ذلك أول أزمة دستورية أدت إلى حلّ الحكومة وإعادة تشكيلها.ولا يزال السائد حتى اليوم أن يأتي تشكيل الحكومة برئاسة أحد أبناء الأسرة الحاكمة، وهو خيارٌ – وإن لم ينص الدستور صراحة على عدم جوازه – إلا أنه لا يتواكب وأحكام الدستور، خصوصاً ما أوردته المادة 56 من الدستور وتعقيب المذكرة التفسيرية بشأنها، بل هناك محاولات لتحصين رئيس الوزراء من المساءلة، لكونه من أسرة الحكم، وقد تفرّع عن ذلك أن سادت لوقت طويل حال الجمع بين ولاية العهد ورئاسة الوزراء، دون أن يكون لهذا الجمع سندٌ في النظام الدستوري الكويتي، وقد أحدث هذا الجمع اختلالاً في كيفية مساءلة رئيس الوزراء في الوقت الذي يُحتمل أن يكون أميراً في المستقبل، لكونه وليّاً للعهد.ومن مظاهر الخلل في تكوين الحكومة إضفاء لقب سمو على رئيس الوزراء، في محاولة التنزيه له وتجنيبه المساءلة السياسية من قبل البرلمان، كما أن التشكيل الحكومي على مدى 37 حكومة متعاقبة، لم يلتزم يوماً من الأيام بتقديم برنامج سياسي فوري، عملاً بنص المادة 98 من الدستور، أو تم تقديمه في مرات نادرة على التراخي بعد شهور طويلة، وكل ذلك مردّه أن الدستور لم يقرر تصويت المجلس على برنامج الحكومة في أول جلسة، كما هو الشأن في الأنظمة البرلمانية.ومن مظاهر الخلل للحكومة أيضاً، أنها لا تشكّل من أغلبية برلمانية، وهو النمط الذي دعت إليه المادة 56 من الدستور، والتي تكملها المادة 57 لاشتراطها إعادة تشكيل الحكومة بعد كل انتخابات عامة.وأوضحت المذكرة التفسيرية للدستور أن سكوت الدستور عن الإلزام بوجود أغلبية من الأعضاء كوزراء، لا يعني التخلي عن الحكومة البرلمانية التي قررها الدستور، إلا أنّ الواقع ساده - واقعياً - تعيين عضو أو عضوين من المجلس بالحكومة لضمان سلامتها دستورياً بعيداً عن الحكومة البرلمانية.ولا شك في أن تلك المظاهر جعلت الحكومة بلا غطاء سياسي، لعدم دعم الأغلبية البرلمانية، الأمر الذي وضعها في مهب الريح أمام العواصف السياسية التي تطير معها الحكومة بمُدد قصيرة، مما أورث حالة من اللااستقرار الوزاري، ولم تُجد محاولات تأمين الأغلبية بتحالفات هشة أقيمت على أساس من المحاصصة والترضيات السياسية بالتوزير بلا برنامج وبلا تحالف حقيقي وبلا عمق نيابي استناداً لأغلبية حقيقية، ولا يستثنى من هذا النمط إلا حكومة عام 1992، التي وُلدت بالتحالف مع كتلة الأغلبية آنذاك، لكنّها لم تكن حكومة برنامج سياسي بقدر ما كانت حكومة استقرار مؤقت.وفي ضوء ما سبق من مظاهر وملاحظات، فإنّ إعادة ترتيب أوراق الوطن بشأن الحكومات التي ستُشكّل مستقبلاً أمرٌ ملحّ، لضمان نهج حكومي جديد وتوجّه يعتمد على العمق النيابي إن أردنا لتجربتنا الديمقراطية النجاح ولنظامنا البرلماني الاستقرار، أما ترك الأمور هكذا، وعلى البركة، فإنّه لن يجدي نفعاً، وستبقى الحكومة مكشوفة سياسياً ومشلولة تنفيذياً، وستستمر حال بعثرة أوراق الوطن بحكوماته الهزيلة.
أخر كلام
إعادة ترتيب أوراق الوطن (3- 10)
31-03-2021