يشكّل الطلاق باعتباره "أبغض الحلال" الصدع الأكبر في العلاقات الزوجية، والذي غالبا ما يأتي بعد مرحلة من النفور يستحيل معها الإبقاء على رابط الزوجية. وتكثر المحاولات لرأب صدع العلاقات الزوجية وعدم الوصول بها الى مرحلة "أبغض الحلال"، وأبرز تلك المحاولات ما يُعرف بمحاولات "إصلاح ذات البين"، التي تسعى لإكمال مسيرة الحياة الزوجية بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات.
بيد أن تلك المحاولات لا تنتهي دائما بتحقيق أهدافها، ليكون الطلاق هو الحل في رأي الكثيرين.وفيما يرى البعض في قانون الأحوال الشخصية حافزا للمرأة على الطلاق عن طريق منحها حقوقا ومزايا تشجعها على الإقدام على خطوة اللاعودة في العلاقة الزوجية، ومنها النفقة وبدلات السكن والسائق والسيارة والخادم، وغيرها من المزايا الممنوحة للمطلقة، يطالب فريق آخر بإعادة النظر في هذا القانون، لأنّه يفتح الباب على مصراعيه أمام المرأة لطلب الطلاق انتقاما من الرجل، وتحميله أعباء مالية قد لا يستطيع الوفاء بها، وقد تقوده إلى السجن.إلا أن الطرفين خاسران في النهاية، ويتجرّعان معا مرارة كأس الفراق وهدم البيت الزوجي وتعريض مستقبل أولادهما للفشل وعدم الاستقرار الأسري.مؤسسة الزواج هي الأطول في الحياة يقودها شريكان تعاهدا على إكمال مسيرة الحياة بكل ما فيها... بهذه الكلمات يصف المحامي محمد المري المؤسسة الزوجية "التي تبدأ بالتفاهم لتُكلل بالنجاح، مع ضرورة أن يعي كلا الطرفين الدور المنوط بهما في هذه المؤسسة وأهدافهما وتضحياتها، ليكونا سعيدين، كما يجب عدم تناسي أهمية أن يكونا صديقين صادقين في كل شيء".وتأسيسا على حماية المؤسسة الزوجية، افتتح المري مركزا متخصصا في مكتبه لإصلاح ذات البين، قائلا لـ "الجريدة" إن إنشاء المركز يأتي إيمانا بأهمية تقليل معدلات الطلاق والخلافات الزوجية ومشكلات الأسرة والعنف الأسري، عبر آليات علمية ومقاييس مقنّنة بالتعاون مع استشاري أسري وزواجي متخصص، وهي دكتورة استشارية تتولى هذا القسم، وتساهم في الحفاظ على استقرار الأسرة والمجتمع من التفكك وطرق حل المشكلات الزوجية، عبر التعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ومراكز تنمية المجتمع وبعض الجمعيات. وأشار المري الى أن موضوع المال وراء أغلب الخلافات والمشكلات الزوجية، وكذلك أساليب التعامل والخيانة الزوجية و"السوشيال ميديا"، والغيرة الشديدة وضغوط الحياة، وتدخّل الأهل وتداعيات "كورونا"، كما أن تعنيف الزوجات أحد الأسباب. وفي هذا السياق كشف أن جهود إصلاح ذات البين ساهمت في تعديل أساليب تعامل الأزواج مع زوجاتهم وإلغاء فكرة الطلاق من قاموسهم، وتحقيق استقرار الأسرة للحفاظ على الأطفال. ونصح المري كل شخص مقبل على الزواج بأن يحدد ويفهم لماذا يتزوج، وماذا يريد من شريك الحياة، وماذا سيقدم لإنجاح هذا الزواج، ومهم أن يعرف كل من يريد الزواج أن يكون واضحا مع نفسه منذ البداية، وأن يعرف عيوبه وما يعانيه، فضلا عن ميزاته التي يتميّز بها، وأن يكون واضحا في اتخاذ قرار الزواج، مؤكدا أن الاختيار الصحيح يكمن في الجوهر الحقيقي لدى كلا الطرفين، ويتربع على قائمة استمرارية الزواج ونجاحه، حُسن الخلق وعدم الاعتداد بالمظاهر، واختيار شريك حياة ناضج عاطفيا وفكريا، قادر على تحمّل المسؤولية، والحرص على اختيار من يتوافق معه الفكر والطموح والانسجام، والأهم أن يتقبّل كلا الطرفين الآخر بحسناته وميزاته وعيوبه، وألّا يتم وضع سقف عال من الشروط التعجيزية، والأمر بسيط، "اختر من يناسبك وتناسبه".
مصالح مادية
من جهتها، قالت المحامية عذراء الرفاعي إن الطلاق شُرع من أجل إصلاح أمر في غاية الأهمية، وهو أن النفس التي تعيش مع الآخر ليست سكنا له، وبالتالي فالطلاق يعد حلّا لمشكلة وليس مصالح مادية أو تكسّبا.وأضافت الرفاعي: إلا أن هناك نفوسا ضعيفة من النساء تجعل من زواجها مخرجا للوصول الى المميزات المالية التي تقدّمها الدولة للمواطنة المطلقة، مردفة أن القلّة من النساء تلجأ للطلاق من أجل تلك المميزات المالية، وخاصة من لا تعمل، فهي تحاول الحصول على الدعم المالي للمطلقات، وأيضا بدل إيجار من "الشؤون"، وكذلك أي ميزه مالية تقدّمها الدولة لها، وتلك الفئة هي التي أساءت للقوانين.وأكدت أن بعض النساء يستعجلن بالطلاق من أجل الاستفادة المالية، أما البقية فهي تمارس حقها من أجل إنهاء الخلافات والوصول إلى حلول.الطمع في المال
وعن تجارب الأزواج في الطلاق، يروي أبو محمد تجربته، فيقول: زوجتي دمرت عائلتي بأكلمها، بسبب الطمع في المال، فأنا متزوج منذ 24 سنة، ولي 7 أولاد، ولأنني أثق بزوجتي، فقد استخرجت لها وثيقة خاصة بالمنزل، ليصبح لنا معا من الناحية القانونية، ومع مرور الأيام حصل سوء تفاهم بسيط بيني وبينها، غادرت على إثره البيت لمنزل أهلها، وبقيت عندهم أسبوعا فقط، وحين عادت تصالحنا وعدنا معا الى المنزل.وأضاف أبو محمد: علمت متأخرا أن زوجتي عملت خلال وجودها في منزل أسرتها وكالة لأخيها، وبناء عليها تم رفع قضية ضدي عام 2000 من دون علمي حتى عام 2017، وفي عام 2018 بعد هروبها لأهلها وتنفيذ خططها، بدأت تساومني على مبالغ مالية كبيرة، ورفع قضايا لا أهمية لها فقط، لتحصل على المال، واستطاعت أن تمنعني من رؤية أولادي، ولا أعرف السبب الأساسي من ذلك.وتابع: ولأنّ القانون والأحوال الشخصية دائما تقف مع الزوجة، فمن الطبيعي أن يشعر الزوج بالظلم، خاصة أن طليقتي اتهمتني بأمور لا أعلم عنها شيئا، وهي أمور تافهة، منها أنّي لا أجلس في المنزل، وغير ذلك من الأمور غير المنطقية، وفي الواقع الطمع أغراها، ولم تكن تريد سوى المال والبيت، وهذه الحقيقة مع الأسف.سبب الطلاق
أما أبو فيصل فقال إن ما تعرّضت له خلال الفترة الأخيرة من حياتي الزوجية كنت فيه ضحية، خاصة أن سبب طلاقي والدة زوجتي، مضيفا: بدأت الحكاية بأن والدتها طلبت منها أن تكون معها في منزلها، لكونها كبيرة في العمر وتحتاج اليها، وهذا الأمر لا أخالفه، فالأم هي الحياة، ولكن ما حدث غير ذلك تماما، وكانت والدة زوجتي هي سبب الانفصال بعد عمر دام بيني وبين زوجتي لنحو 13 سنة.وأضاف أبو فيصل: كنت أعمل في السعودية ومعي زوجتي وأولادي الخمسة، ونعيش معا منذ 13 سنة، وكل فترة نعود للكويت ومن ثم للسعودية، لأنّ مصدر رزقي هناك، وكانت حياتنا مستقرة وجميلة، ومع الأيام بدأت والدة زوجتي تلحّ على ابنتها للعودة الى الكويت والعيش معها بعد وفاة والدها، وأنها بحاجة الى وجودها معها، وهذا أمر طبيعي، لكنّ زوجتي عندها أولاد وأنا أعيش معها كما ذكرت، وحياتنا كانت مستقرة.وتابع: وفي لحظة غير متوقعة، فوجئت بأن زوجتي، بعد زيارة والدتها في الكويت، رفضت العودة إليّ، واستقرت عند والدتها، وأخذت معها الأولاد، وعقب ذلك علمت أن الذين من حولها - ومنهم والدتها - كانت السبب في طلب الطلاق والابتعاد عنّي، والسبب أن القانون يقدّم لها الكثير من الحقوق والرفاهية إن كانت مطلقة، وحصلت على الطلاق، وأخذت الأولاد وحرمتني منهم، وزوجتي من أصول سعودية، وحصلت على الجنسية الكويتية بعدها.وأردف: مع الأسف منذ خمس سنوات، لم أرَ أولادي بسبب أني اتخذت قرارا بالزواج بعد الطلاق، وحين علمت طليقتي بذلك، انتقمت منّي ورفعت ضدي 6 قضايا ظلما وحرمتني من الأولاد، مضيفا: بشكل عام، أكثر الشباب ومنهم في الأربعينيات ضاعوا في وادٍ مظلم، وأصبحوا ضحية بسبب الزوجة، واليوم والأغلبية منهن لا تفكر سوى في المادة مع الأسف.واستطرد: بالرغم من حصولها على راتب من التأمينات الاجتماعية أو وزارة الشؤون، وحصولها على راتب من تقاعد والدها المتوفى، ومع كل ذلك ترى نفسها ضحية، وعلى ضوء ذلك من الممكن أن تضحي بالزوج والأولاد، لكونها غير مدركة لما تفعله، لأن المسؤول دائما هو الزوج، ووقت الطلاق تحصل على حضانة الأولاد وتحرم والدهم من رؤيتهم، ومع الأسف غير مدركة حجم الأذى الذي سببته لأولادها ولزوجها، وكذلك لنفسها مستقبلا.قانون جائر
وقال أبو فيصل إن كل ذلك بسبب المال، بحجة أن القانون يساندها ماديا، ومع الأسف هذا القانون جائر، خاصة أن مثل هذه الحالات تعتبر غير إنسانية في الكويت، بسبب حرمان الأب من رؤية أبنائه بسبب هذا القانون الذي سهّل تدمير الأسرة، لذلك يجب أن تكون الحضانة للأب لكونهم يحملون اسمه، متسائلا: كيف تصرف وزارة الشؤون الاجتماعية للمطلقة 580 دينارا دون وجه حق فقط، لأنها مطلقة؟ مضيفا أن هذا الأمر يشجع الأخريات على طلب الطلاق، فإذا تزوج الرجل يحق له 70 دينارا أو 80 دينارا، وإذا طلقت الزوجة تتسلم كل شهر 580 دينارا، أي عدل هذا؟ فهذا أمر تجاري وليس إنسانيا.وأكد أن القانون يساعدها في سحب مبلغ كبير من راتب طليقها، وتتسلم مبلغا من التأمينات الاجتماعية في حال كان والدها متوفى، لذلك يجب أن يحق للمطلقة ان تتسلم من التأمينات أو من "الشؤون" مبلغا لا يتعدى الـ120 دينارا، حتى تشعر بقيمة المال وهي عند زوجها، لذلك الزوج اليوم لا يعطي الزوجة مصروفا بقيمة 580 دينارا، وإن كان يملكه، إلا في حال حاجة الزوجة له.تصالح الزوجين
في المقابل، تقول أم أشرف: تحدث خلافات كثيرة بين الأزواج، لكنّ الزوجين الصالحين يتفهمان الأمور، ويقومان بالإصلاح، خاصة في ظل وجود أطفال، لذلك مررت بظروف قاهرة ومؤلمة، منها تعرّضي للعنف من قبل زوجي، وعدم الصرف، وذلك بسبب ظروف الحياة الصعبة، لكنني تحمّلت كثيرا، وقررت اللجوء الى الطلاق، لأسباب؛ أولها تعرّضي للعنف لأكثر من مرة، وعدم أخذ حقوقي المادية، ولأني وزوجي لا نحبّذ الطلاق، لأنّ أبغض الحلال عند الله الطلاق، وقد حاولنا الإصلاح لكن بلا فائدة.وتابعت: قررنا اللجوء الى أحد مراكز التأمين القانوني للمحاماة والاستشارات القانونية، الذي حاول حلّ هذا الخلاف من خلال التطرق للمشكلات نفسها التي تحدث معنا، والتحدث عنها بكل شفافية ووضوح، والتحدث حول أسباب حصولها، ولله الحمد بعد عدة جلسات، أعدنا حياتنا الى التوازن وإلى طبيعتها، وأنهينا التوتر والخصام.مرحلة الضرر
من جهتها، أكدت زهراء (سيدة منفصلة حديثا عن زوجها)، أن معاناتها اليومية مع زوجها حوّلت حياتها الى "عُقد نفسية"، وبالتالي أحست بأنها تضررت كثيرا، وآلمتها المشاكل اليومية التي تعانيها، الى أن وصلت مرحلة الضرر الى حالة نفسية.وأضافت أن "مشكلتي الأساسية كانت مع طليقي معنوية ومادية ونفسية، فأنا سيدة متعلمة وحاصلة على شهادات عليا، ولم تهن نفسي أن تصل بي الأمور الى هذه الحالة، ولا ينكر أحدنا أن الحياة الزوجية تحدث فيها خلافات، وهذا أمر طبيعي، لكن علينا إصلاحها من خلال عدة محاولات، ولكن في حال لم تصلح الحال يبقى قرار الطلاق هو الحل الوحيد، خاصة أن الاضطرابات والنتائج السيئة التي حصلت لي يعجز القلم عن التعبير عنها".«العدل»: نتوقع 8906 حالات طلاق في 2022
توقّعت دراسة رسمية صادرة عن وزارة العدل وصول عدد حالات الطلاق الى 8906 حالات في 2022، بعد أن كانت 7575 حالة في 2018، بزيادة تصل الى 1331 حالة، حتى وصل العدد الإجمالي لحالات الطلاق خلال 10 سنوات إلى أكثر من 83 ألف حالة.وكشفت إحصاءات من وزارة العدل أن الكويت شهدت عام 2020 زيادة في حالات الزواج، وانخفاضا في معدلات الطلاق، مقارنة بعام 2019، حيث زاد عدد حالات الزواج بمقدار 1000 حالة عن العام السابق.وأشارت الإحصاءات إلى أنه من بين 12973 حالة زواج تمت العام الماضي، كان 82 في المئة منها رجال كويتيون، تزوّج غالبيتهم من كويتيات، و1044 كويتيًا تزوجوا من غير كويتيات.وأضافت: أما بالنسبة لغير الكويتيين، فقد بلغ إجمالي عدد حالات الزواج المسجلة 2025، منها 418 حالة زواج غير كويتي من كويتيات.وأوضحت أن غالبية حالات الطلاق التي حدثت كانت بين المواطنين، حيث بلغ إجمالي حالات الطلاق 5932 حالة في 2020.