مؤسسة البترول الكويتية تُقلص الإنفاق وتتوسع في الاقتراض!
• خطة دمج الشركات التابعة تخفض المصروفات... فما مبررات الاستدانة؟
• خيار «الاكتتاب» يمكن أن يوفر سيولة عالية تلغي الاقتراض أو تخفض قيمته
توجُّه مؤسسة البترول الكويتية للاقتراض ليس مستغرباً بحد ذاته، لكنه يحتاج إلى تبريرات عديدة، في ظل تقليص المؤسسة لإنفاقها مع شركاتها التابعة، وأيضاً ضمن مساعيها لدمج كياناتها، تقليصاً لإنفاقها على المدى الطويل.
يثير توجُّه مؤسسة البترول الكويتية لاقتراض ما يصل إلى 20 مليار دولار، على مدار السنوات الخمس المقبلة، لسد عجز متوقع في التمويل، كثيراً من الأسئلة، ليس فقط لضخامة المبلغ المستهدف للاقتراض، بل أيضاً لأن إجراء الاقتراض بحد ذاته يأتي مناقضا لما أعلنته مؤسسة البترول قبل أقل من عام في اتجاهها نحو تقليص المصروفات على المشاريع "الرأسمالية" والالتزامات الإدارية كالسفر والضيافة والتدريب والمؤتمرات والأنشطة الاجتماعية وغيرها بأكثر من 25 في المئة لفترة الخطة الخمسية.وهذا يعني أن المؤسسة رغم أنها خفضت الإنفاق بما يعادل 20 مليار دولار، مدة خمس سنوات، فإنها تعتزم الاقتراض بنفس المبلغ لتغطية التزامات هذه المدة، وهو أمر فيه قدر عال من التناقض بالسياسات الاستراتيجية لمؤسسة البترول الكويتية، خصوصاً أنه يأتي في وقت حاولت فيه قيادات المؤسسة تأجيل أو إلغاء توريد الأرباح المحتجزة الى الخزينة العامة للدولة، لكن اللافت أيضاً في مسألة الاقتراض أنها تأتي بالتوازي مع إطلاق المؤسسة خطتها لدمج شركاتها التابعة في 4 كيانات رئيسية، بغرض أساسي هو تقليص المصروفات الإدارية والرأسمالية.
الدمج لتقليص الإنفاق
فخطة دمج الشركات النفطية مشروع استراتيجي معتمد من المجلس الأعلى للبترول يستهدف توحيد الأعمال المتشابهة في القطاع النفطي، بحيث تُدمج شركتا نفط الكويت ونفط الخليج في قطاع الإنتاج، وشركات البترول الوطنية وكيبك والكيماويات البترولية في قطاع التكرير، والشركات العاملة خارج الكويت؛ كالبترول العالمية والاستكشافات البترولية الخارجية (كوفبك) في قطاع الاستكشاف، أما القطاع الرابع فيضم التسويق العالمي في مؤسسة البترول مع شركة ناقلات النفط، ضمن قطاع النقل والتسويق، وسيترتب على هذه الاندماجات تقليص لافت في الإنفاق على الوظائف المتشابهة والمشاريع المتداخلة بين الشركات، وبالتالي فإن التوجه للاقتراض ليس مستغربا بحد ذاته، لكنه يحتاج إلى تبريرات عديدة، في ظل تقليص المؤسسة لإنفاقها مع شركاتها التابعة، وأيضا ضمن مساعيها لدمج كياناتها تقليصاً لإنفاقها على المدى الطويل.تناقض الاستراتيجيات
وهذه ليست المرة الأولى، التي تعلن المؤسسة عن سياسة استراتيجية متناقضة، فلديها سابقة مثلاً في اعتماد استراتيجية عام 2040 بقيمة استثمارات تتجاوز 530 مليار دولار، لتعزيز الإنتاج النفطي، بالتناقض مع توجه الدولة الاستراتيجي -المعلن على الأقل- بخفض نسبة الاعتماد على النفط في الاقتصاد. وبغض النظر عن صحة توجه أي استراتيجية إلى زيادة الاعتماد على النفط أو خفض هذا الاعتماد؛ فإن من الواجب حسم أي من الاستراتيجيتين هي المعتمدة على مستوى الدولة، دون تناقض أو معاكسة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المجلس الاعلى للبترول يخضع لرئاسة رئيس مجلس الوزراء، والتمثيل الحكومي فيه مرتفع ويستوجب حسم الخيار أو التوجه العام للدولة في تحديد خياراتها المستقبلية، إن كانت بالتوسع في الاستثمار النفطي أم تقليصه لمصلحة الأنشطة غير النفطية.خيار الاكتتاب
اللافت في مسألة توجه مؤسسة البترول نحو الاقتراض بمبلغ ضخم أنها لم تدرس خيارات تمويلية أخرى غير الاقتراض، مثل التوجه الى الأسواق الأولية عبر الاكتتاب العام للمواطنين، او حتى للمؤسسات الدولية بنسبة ضئيلة من رأسمال المؤسسة أو كياناتها التابعة، وبالتالي إدراج جزء من الأسهم بالبورصة، كما فعلت السعودية مع كيانها البترولي الضخم "أرامكو"، فحصدت ما يتجاوز 25 مليار دولار من طرح 1.5 في المئة من رأسمال أرامكو للمستثمرين الأفراد، فضلا عن المؤسسات، وهذا خيار يمكن لمؤسسة البترول دراسته، خصوصا أن هيئة اسواق المال سبق لها أن رفعت دراسة إلى وزارة التجارة والصناعة تقترح فيها إدراج الشركات النفطية أو جزء منها، في بورصة الكويت للأوراق المالية عبر آلية خاصة توفر المزيد من السيولة في السوق وتعزز شفافية الشركات وتوفير فرص استثمارية للمواطنين، وتعطي البورصة قيمة مضافة عبر إدراج شركات تشغيلية، فضلاً عن ان خطوة الاكتتاب ستوفر سيولة مالية لمؤسسة البترول، ربما تلغي خطط الاقتراض أو تقلص قيمتها.تحولات الطاقة
وحسب ما ورد في تقرير بلومبيرغ، الأسبوع الماضي، فإن أهم أسباب توجه مؤسسة البترول نحو الاقتراض هذه المرة، هو المحافظة على مستويات إنتاج الخام في الكويت، خلال الفترة القادمة، وهو ما يفتح المجال للتوسع في النظر الى اسواق الطاقة العالمية وتحولاتها، خلال الفترة القصيرة الماضية، لاسيما فيما يتعلق بالوجه الأخضر لشركات الطاقة التقليدية في العالم، وخصوصاً رويال داتش شل وبريتش بتروليوم واكسون موبيل وتوتال وغيرها، التي اعلنت خلال الأشهر الماضية، توجهاتها للاستثمار في مشاريع ضخمة للطاقة المتجددة، مع تنامي موجة الاقتصاد الأخضر المهتم بالمعايير البيئية، وبالتالي فإن التفات مؤسسة البترول لهذا التوجه العالمي ودراسته وإمكانية التوسع فيه أمر جدير بالاهتمام، خصوصا اذا علمنا ان استراتيجية المؤسسة خلت من أي توجه معلن نحو الاستثمار في أي من مشاريع الطاقة المتجددة، فضلاً عن إلغاء مشروع الدبدبة للطاقة الشمسية العام الماضي.من المهم أن تتسق السياسات المتعلقة بالقطاع النفطي مع الاستراتيجيات المعلنة، فلا يجوز إعلان خفض الانفاق، بالتوازي مع التوسع في الاقتراض، أو اعلان نوايا الدمج لتقليص الانفاق، وفي الوقت نفسه التخلي عن هذا التقليص للتوسع في الانفاق او الاستثمار في رفع الانتاج النفطي، بالتوازي مع خطة الدولة لتقليص الاعتماد على النفط، وهذه سياسات لا ترتبط فقط بمؤسسة البترول بل أيضا بالمجلس الاعلى للبترول، الذي تمثل فيه الحكومة على اعلى مستوى، لرسم استراتيجية واضحة بالقطاع النفطي يبدو أنها دائما ما تتعرض للنقض والتناقض.