غداة الاجتماع الوزاري الثلاثي العربي، الذي ضم العراق ومصر والأردن في بغداد، واستبدل قمة ثلاثية كان مقرراً أن يستضيفها العراق تتوج الانفتاح العربي على حكومة مصطفى الكاظمي، أجرى الأخير زيارة، أمس، إلى السعودية، لبحث سبل تعزيز العلاقات بينما يواجه العراق تحديات ساخنة هذا الصيف تسبق انتخابات مبكرة في أكتوبر. واستقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الكاظمي، وأجريا مباحثات ركزت على سبل توطيد العلاقات بين البلدين في الرياض، وعدة ملفات أخرى شملت الأمن والاقتصاد وتفعيل الاتفاقيات التي تم توقيعها بين البلدين من خلال المجلس التنسيقي العراقي السعودي، وجرى توقيع ٥ اتفاقيات جديدة.
وقبيل مغادرته بغداد، كتب الكاظمي على حسابه في "تويتر": "نتوجه اليوم إلى المملكة الشقيقة، في زيارة رسمية، هدفها توطيد العلاقات المتميزة بين بلدينا، وإرساء آفاق التعاون الأخوي بين دول المنطقة، بما يخدم شعوبنا ويحقق الاستقرار ويكرس قيم البناء والتكامل، انطلاقاً من المشتركات التي تجمعنا".وأكدت مصادر دبلوماسية عراقية، أن زيارة الكاظمي تتضمن حوارات بشأن القضايا التي تهمّ بغداد والرياض، وفي مقدمتها الأمن على الحدود، بعد أيام من نشر مجلة "الإيكونوميست" تقريراً تحدثت فيه عن نجاح الميليشيات العراقية الموالية لطهران في إنشاء قواعد عسكرية على الحدود مع السعودية خارج سيطرة الجيش العراقي. وكانت تقارير أشارت إلى أن هجوماً واحداً على الأقل من الهجمات التي تتعرض لها المملكة بطائرات مسيرة تم من داخل الأراضي العراقية وليس من اليمن كما كان يعتقد. وتبنى فصيل عراقي غير معروف الهجوم الذي حظي بمباركة فصائل عراقية أبرزها "كتائب حزب الله العراق" المتشددة.
المنافذ
في غضون ذلك، أفاد السفير السعودي في العراق، عبدالعزيز الشمري، بأن زيارة الكاظمي تأتي في توقيت مهم وستشهد توقيع عدد من الاتفاقيات في مجالات عدة، متحدثاً عن نية لزيادة المنافذ الحدودية مع العراق، بإضافة منفذ جديد في مدينة السماوة مركز محافظة المثنى ثاني أكبر محافظات العراق، وأن يعمل منفذ عرعر على مدار الساعة.في موازاة ذلك، أكد مستشار رئيس الوزراء العراقي، حسين علاوي، أن "الزيارة المهمة، تأتي في ظرف استثنائي، وتمّ الترتيب لها في الزيارات السابقة، التي قام بها أعضاء الفريق الحكومي، والمجلس التنسيقي"، مشيراً إلى أن "الزيارة تبحث سبل مواجهة الأزمات الموجودة في المنطقة، والتنسيق الاقتصادي، ودعم خطط التنمية والاستثمار التي عرضتها هيئة الاستثمار الوطنية العراقية على الشركات السعودية، والتسهيلات التي ستقدمها الحكومة العراقية للشركات السعودية، والتوجه نحو إنشاء مشاريع مشتركة".تحديات وانفتاح
وتأتي القمة السعودية العراقية في وقت تواجه حكومة الكاظمي تحديات عدة في مقدمتها التحدي الأمني المتمثل في نشاط الأحزاب والفصائل المسلحة الموالية لإيران وتحركاتها ضد المصالح الأميركية والغربية في بغداد، فيما تخوض الرياض مواجهة عسكرية ضد حركة "أنصار الله" الحوثية المتمردة في اليمن والمدعومة من طهران.والأسبوع الماضي، أكد الكاظمي دعمه للمبادرة السعودية لإنهاء الأزمة في اليمن، في ختام محادثات بالفيديو مع العاهل السعودي.وتعزز زيارة الكاظمي للرياض، التي كانت معدة سابقاً قبل أن يتوجه إلى إيران في يوليو العام الماضي لكنها أجلت بسبب تعرض الملك سلمان لوعكة صحية، مسار حكومته الرامي إلى إعادة الحيوية لعلاقات بغداد بمحيطها العربي.صيف ساخن
زيارات العرب للعراق وخطوة الكاظمي باتجاه الرياض تأتي في لحظة انطلاق مرحلة جدية من التنافس على صيف الانتخابات المبكرة المقررة في أكتوبر المقبل، التي ستكون مختلفة تماماً بعد احتجاجات و"الحراك الشعبي" الطويلة والحضور العربي والدولي للمراقبة ولمنع التلاعب.ويرى مراقبون أنه رغم عدم استطاعة الكاظمي أن يظهر حتى الآن بصورة الحاكم القاطع والحاسم، لكنه نجح في إقناع أكثر الأطراف اعتدالاً في الداخل والشرق الأوسط بدعم نهجه، والجميع بدأوا يلاحظون عبر الأخطاء الإيرانية المتكررة مع بغداد، أن سقوط رجل الاستخبارات السابق الآن سيعني إكمال الميليشيات الاستيلاء على السلطة.ويقول المراقبون، إن الصراع على خلافة الكاظمي بدأ بقوة ونزل المسلحون مرات إلى الشوارع مطالبين بإفشال قانون الموازنة المالية لمنع الكاظمي من انعاش الاقتصاد ولإحداث قلاقل تعرقل حضور العرب ومساعداتهم واستشاراتهم الداعمة في بغداد لحظة ما يشبه الانهيار الاقتصادي.وبحسب ما تفيد مصادر عراقية، فإن أطرافاً مقربة من الكاظمي تريد أن تصمم "إنقاذاً" للصيف المقبل، إذ يتوقع أن تبادر إيران مجدداً لقطع متعمد لإمدادات الغاز مما سيخرج نصف كهرباء العراق عن الخدمة ويثير احتجاجات يصعب على الحكومة التعامل معها خصوصاً أنها تترافق مع أزمة اقتصادية بتعطيل الموازنة وخطط الإغاثة وتمويل الإنتاج المحلي. مما يعني وصفة غضب كبيرة تستفيد منها الأطراف المتحالفة مع طهران كي يصل الكاظمي وحلفاؤه إلى الانتخابات وهم منهكون.ويقول مراقبون، إن الحوار بين العراق والخليج ومصر والأردن ينطلق من ضرورة بناء قواعد جديدة حتى لا تبقى بغداد في حلقة الصراع الأميركي الإيراني. ولمساعدة بغداد على الاستعانة بالنفوذ الدولي خصوصاً لمجلس التعاون في تخفيف الخناق الإيراني عنها والمراهنة على إمكانية نجاح مشروع استقرار مشترك بتنسيق عربي رفيع المستوى ينعكس لاحقاً على أزمات المنطقة الأخرى.في هذه الأثناء، مددت الولايات المتحدة الإعفاء الذي تمنحه للعراق من العقوبات على إيران، لاستيراد الغاز، لمدة 4 أشهر. ويعدّ هذا الإعفاء الأول في ظلّ إدارة جو بايدن ولأطول مدة يسمح بها القانون، ويأتي قبل أيام من "حوار استراتيجي" بين البلدين.