أين نحن؟!
الذي يتابع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بوعي وفهم لدورها يصاب بالصدمة مما تتناقله من أخبار مكثفة حول أمور أقل ما توصف بأنها لا أهمية لها إلا عند جاهل لا يدرك قيمة الوقت، ولا الظرف الذي يمر به العالم، وخصوصا وطننا العربي الذي غاب عنه متابعو أخباره المهمة واحتياجاته، وهي تزداد تفاقما بالمشاكل بصورة معقدة، وقد يأتي الوقت الذي يفلت فيه زمام الأمور عن السيطرة رغم كل ما تقوم به الجهات المسؤولة من توجيهات وإصدار قوانين لضبط الدفة إلى وجهتها السليمة. فما عادت للعادات والتقاليد التأثير ذاته الذي كان يضبط بوصلة المجتمع بعد أن انفلت العقال وجاء من ينادي بتجاوزها بحجة أن وقتها قد ولى، وهو أمر قد لا تحمد عقباه لو ترك الحبل على الغارب، وكما يقول المثل الشعبي: "مَن فـاتَ قـَديمَهُ تــاهَ!!" ذلك أنه ليس كل القديم لا يصلح لزماننا. دائما نردد أننا أصحاب القيم والمثل العليا عبر الزمن بما توارثناه وسمعناه وقرأناه عن التضحيات والصمود في وجه العاتيات وعن الكرم وإغاثة الملهوف، ولكن بات من الملاحظ أننا في زمن لم تعد هذه الصفات والقيم تجد لها مكانا إلا عند قلائل يتمسكون بها يضبطون توازن حياتهم بينها وبين ما يستجد من عادات وافقوها مع الزمن، فهل تستقيم حياتنا التي أساسها القيم النبيلة إن نحن تركنا الأمر متاحا لمن هب ودب يفرغ سمومه ويوجهنا عبر هذه الوسائل بحجج واهية على أن ما كان إنما هو إرث قديم لا يوافق الزمن الحديث رغم عدم مصداقية هذا القول؟!
التخبط الذي نشاهده عبر وسائل الإعلام وهذا التيار القوي الجارف بما يتم تناقله وتداوله عبر المواقع يعطينا صورة واضحة عن كل سلوك أو وجهة نظر في أمر ما، ولكن تناقل الصور والأخبار الباهتة التي قلنا إنها لا تغني ولا تسمن ولا تناسب المرحلة قد طغت وصارت أخبار من لا دور لهم في حياتنا، أو بكلمة أكثر دقة "الدخلاء على الفن" تتصدر كل ما يصل إلى عامة الناس بكل أطيافهم، ومما يدعو إلى القلق تزايد الاهتمام بهذه الأخبار وإفراد برامج خاصة لها، تستعرض مواقف لا تبني أجيالا ولا تقوّم سلوكا ولا تحقق هدفا ساميا أو بناء عقل وتفكير جيل مقبل على حياة جديدة، وأدوات جديدة أكثر انفتاحا على المستقبل، وكذلك تنحية الأخبار الأكثر أهمية التي يجب أن تحتوي على منهج يرسم تصورا جديدا، وهذا لا يمكن أن يكون ونحن غارقون في هذا الزبد!! الإعلام وهذه المواقع بمختلف أنواعها وأغراضها احتياج لم يعد من الممكن الفكاك من أسرها بعد أن صارت جزءا يعتمد عليه في كثير من أمور الحياة والاستشهاد بما تنشره وتعرضه من صور وأفلام، لذلك يجب أن يدرك كل فرد أهمية هذه الأدوات ويُقنن استخدامها بتخير ما يناسب تقويم عاداته، ويجهزها إلى مرحلة جديدة تتوافق مع المستقبل الذي مهما حاولنا تحديد مجاله فلن نفلح لأن الأدوات أصبحت كثيرة وقوتها أكبر ونشاطاتها أوسع. لذلك تكون البداية من الفرد نفسه، ولا حرج إن استعان بمن هم أكثر منه إمكانية في التعامل مع التقنيات والاستفادة من تجاربه وإمكاناته، وبالمران سيدخل حلبة الحياة بمواصفاتها الجديدة، خصوصا أن هناك إجماعا على أننا قد دخلنا مرحلة ما بعد "كورونا" ولا رجعة عن ذلك، بل ثباتا واندماجا كاملا حتى نكون في المكان الصحيح. * كاتب فلسطيني- كندا