«كل من ينتمي لمحور المقاومة، جاهز للوصول إلى حلول وتسويات معينة، تجعلنا نعبر من هذه المرحلة الصعبة»، هذا ما قاله الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، مساء أمس الأول، في موقفٍ متطورٍ في توقيته ومضمونه. إشارة نصرالله إلى «محور المقاومة» تعني أن كلامه لا ينطبق على «حزب الله» وحلفائه المحليين فقط، بل كل «قوى الممانعة»، وهذا يعني أيضاً أن هناك مفاوضات تجري بين إيران وقوى أخرى، خصوصاً الولايات المتحدة، في ملفات متعددة.
موقف نصرالله يمهِّد لفتح الطريق أمام مفاوضات قد تفضي إلى عقد تسويات محلية، وقد تجلى هذا النَّفَس أكثر لدى مقاربته ملف تشكيل الحكومة، إذ دعا إلى إلقاء الخلافات جانباً والذهاب إلى التأليف.وبهذا الكلام يؤكد نصرالله حاجة «حزب الله» إلى تشكيل حكومة تضع حداً للتدهور الكبير، ويستعيد من خلالها الحزب مشروعيته، بناءً على إنجاز تسوية بين مختلف القوى ترضى عنها القوى الدولية. وفي هذا الإطار، كان لافتاً دعوة السفيرة الأميركية، بعد زيارتها لرئيس الجمهورية ميشال عون قبل أيام، إلى تسوية كثيراً ما طالب بها الفرنسيون.
كما يأتي هذا التطور في موقف نصرالله تزامناً مع معلومات تفيد بأنه لا مشكلة لدى الإدارة الأميركية الجديدة في التعاطي بواقعية مع أي حكومة لبنانية، بغض النظر عن مكوناتها. وتشدد مصادر دبلوماسية أميركية على أن نظرة إدارة جو بايدن تخالف إدارة دونالد ترامب التي كانت ترفض، بشكل قاطع، مشاركة «حزب الله» في الحكومة، وإن كان ثمن ذلك انهيار لبنان كله. وتستدرك المصادر أن الموقف الأميركي من الحزب لم يتغير، لكن هناك سوابق تعاطت فيها واشنطن مع حكومات لبنانية تضم «حزب الله».ومن هنا لا يمكن فصل كلام نصرالله عن مسار التطورات في المنطقة، والمساعي المبذولة لعقد مفاوضات إيرانية أميركية، ستقود حكماً إلى تسويات تشمل لبنان وغيره من الساحات.الجديد في موقف الأمين العام للحزب أنه تراجع عن مواقف تصعيدية أطلقها سابقاً عندما دعا إلى حكومة تكنوسياسية، وذلك على وقع زيارة أجراها وفد نيابي من حزبه لرئيس البرلمان نبيه بري لترتيب الأولويات، وتنسيق المواقف بعد ظهور تباينات سياسية بين الطرفين. الحراك السياسي الداخلي، وتجدد المساعي لتشكيل حكومة مؤلفة من 24 وزيراً، بلا ثلث معطل، لا بد أن يصلا إلى نتيجة، لكن ليس بالضرورة في وقت قريب، وما هو مؤكد أن أي نتائج إيجابية ستكون مرتبطة حتماً بسياقات وملفات خارجية، وهذا ما أشار إليه نصرالله بحديثه عن «محور المقاومة».وتؤكد مصادر متابعة لمواقف الحزب أن الجهود السياسية الجارية جدية وإيجابية، وتكشف أن الأيام الماضية شهدت تواصلاً بين الحزب ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وبين الحزب ورئيس الحكومة الملكف سعد الحريري، وتؤكد أن هناك عقبات لم يتم تذليلها بالكامل، مما يعني أنه ليس بالضرورة أن نشهد ولادة حكومية سريعة.ويرى مراقبون أن الكرة باتت الآن في ملعب رئيس الجمهوية ميشال عون وصهره جبران باسيل، هل سيرضيان بالصيغة الحكومية المرتقبة؟ أم سيكون هناك شروط أخرى؟ أحد الشروط لدى باسيل هو رفضه ترؤس الحريري الحكومة، وتؤكد المعلومات وجود تواصل مستمر بين الحزب وباسيل لإيجاد مخرج لهذه العقدة.وكشفت المصادر أيضاً عن حصول تواصل فرنسي مع جهات دولية متعددة في محاولة لتسهيل التشكيل، مضيفة أن فرنسا مستمرة في ممارسة أقصى أنواع الضغوط بما في ذلك التلويح بخيار فرض العقوبات. ووفق ما تؤكد مصادر فرنسية فإن باريس قد حصلت على دعم أميركي كامل لمبادرتها، وأن التنسيق مستمر إلى حدّ كبير بين الطرفين حيال الملف اللبناني.رغم كل ذلك هناك الكثير من الموانع التي لا تزال قائمة وقادرة على عرقلة الولادة الحكومية، لكن ما يحصل الآن هو ترتيب التفاهم على شكل الصيغة الحكومية ومضمونها، بانتظار اللحظة المناسبة التي تحتم على الجميع الإقدام على خطوات إيجابية.