وسط تبادل للاتهامات بالإعداد لهجوم، لا يزال التوتر سيد الموقف على الحدود الروسية ـ الأوكرانية، حيث تستعد موسكو لإجراء تدريبات عسكرية على «التفاعل مع الحرب الإلكترونية ووحدات الدفاع الجوي»، بعدما أجرى أسطول البحر الأسود، التابع للبحرية الروسية، اختبارا لمستوى التأهب القتالي لوحداته المنتشرة في القرم وإقليم كراسنودار جنوب البلاد، في وقت تصاعدت حدة الخروقات للهدنة في شرق أوكرانيا.

Ad

خروقات لهدنة دونباس

وأمس، أعلنت سلطات جمهورية دونيتسك، الانفصالية الموالية لموسكو، أن القوات الأوكرانية خرقت نظام وقف النار في المنطقة 8 مرات خلال آخر 24 ساعة، وأطلقت إجمالا 59 قذيفة، وكذلك رصدت سلطات جمهورية لوغانسك، الشقيقة لها، 6 خروقات.

واتهمت الجمهوريتان المعلنتان من جانب واحد الجيش الأوكراني باستخدام قذائف مدفعية من عيار 122 ملم المحرمة بموجب «اتفاقيات مينسك»، للمرة الأولى منذ بدء سريان الإجراءات الإضافية الخاصة بالإشراف على تطبيق نظام وقف النار في يوليو الماضي.

وأثارت أسابيع من المواجهات، التي تجددت على الخطوط الأمامية في «دونباس»، المخاوف من احتمال تصاعد حدة النزاع بين القوات الحكومية الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا. وتبادلت موسكو وكييف الاتهامات هذا الأسبوع بالوقوف وراء ارتفاع منسوب العنف عند الخطوط الأمامية، ما قوّض اتفاقا لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه في يوليو الماضي.

واتهمت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية روسيا بالتحضير «لتوسيع وجودها العسكري» في المناطق الخاضعة لسيطرة الانفصاليين، وأفاد رئيس هيئة الأركان العامة الأوكراني روسلان خومشاك الأسبوع الماضي بأن أكثر من ألفي مدرب ومستشار روسي يتمركزون حاليا في شرق أوكرانيا.

ونفت روسيا مرارا أن تكون أرسلت قوات وأسلحة لدعم الانفصاليين، بينما أشار الكرملين إلى أن لموسكو حرية تحريك قواتها ضمن أراضيها. وقال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف إن «روسيا ليست مشاركة في النزاع»، متهما قوات أوكرانيا المسلحة بالقيام باستفزازات «عديدة» في المنطقة.

ووصف مسؤول روسي رفيع التقارير التي تحدثت عن أن روسيا تخطط لمهاجمة أوكرانيا بـ»الزائفة». وقال نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو لوكالة «ريا نوفوستي» الرسمية إن «روسيا غير مهتمة بالانخراط في أي نزاع مع أوكرانيا، خصوصا إذا كان عسكريا».

إلى ذلك، حذر نائب مجلس الدوما الروسي ميخائيل شيريميت من أن خططا لأوكرانيا وحلف «الناتو» لشن عدوان على جمهورية القرم الروسية، مؤكدا أن «هذه الخطط ستنتهي بشكل سيئ بالنسبة لهما».

وكان شيريميت يعلق على تصريح لمسؤول أوكراني قال إن مناورات «احمي أوروبا 2021»، التي من المقرر أن تجريها أوكرانيا مع «الناتو» في مايو ويونيو المقبلين، وهي أكبر مناورات من نوعها منذ الحرب الباردة، قد تشمل تدريبات على «خوض حرب ضد روسيا في بحر البلطيق والبحر الأسود».

وذهب شيريميت بعيدا في تأويل التصريح الأوكراني، وقال إنه «يجب ألا يخاف سكان القرم من أي شيء»، داعيا كييف وحلفاءها الغربيين الى قراءة تاريخ الحرب الوطنية العظمى (1941-1945) جيدا والعودة إلى رشدهم قبل أن يتخذوا أي خطوات عسكرية تجاه روسيا.

انشقاق غربي

وبعد إعراب سفراء دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) عن قلقهم إزاء التعزيزات العسكرية الروسية الى الحدود والتصعيد في دونباس، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، في اتصال مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، دعم واشنطن «الثابت لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها في مواجهة العدوان الروسي في دونباس وشبه جزيرة القرم».

بدوره، ذكر الرئيس الأوكراني، الذي اتهم روسيا بحشد قوات عند الحدود، في فيديو نشره مكتبه، أن «الرئيس بايدن أكد لي أن أوكرانيا لن تترك بمفردها في مواجهة العدوان الروسي»، مثنيا على الشراكة «البالغة الأهمية بالنسبة للأوكرانيين» مع واشنطن.

من ناحيته، قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إنه اتصل بنظيره الأوكراني دميترو كوليبا لإعادة تأكيد «دعم المملكة المتحدة لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها»، مضيفا: «نشعر بقلق بالغ إزاء النشاط العسكري الروسي الذي يهدد أوكرانيا».

وفيما بدا انه بوادر انشقاق غربي، صرح وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون: «لا أعتقد أننا نشهد تصعيدا، لكن علينا أن نتوخى الحذر بدرجة كبيرة. لذلك تحاول فرنسا وألمانيا دفع الرئيسين الروسي والأوكراني لاستئناف المحادثات».

عقوبات أوكرانية

وفي اشارة على التوتر المتصاعد، أعلن سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أندريه دانيلوف أمس فرض عقوبات على «عدة شركات روسية ومن دول أخرى» من دون أن يذكر أسماء الشركات.

وكانت صحيفة «أوكرانسكايا برافدا» (الحقيقة الأوكرانية) كشفت أن العقوبات ستشمل 10 شركات روسية إضافة إلى فرع كييف لمكتب «الوكالة الاتحادية الروسية لكومنولث الدول المستقلة والمواطنين المقيمين في الخارج والتعاون الإنساني الدولي».

تخويف أم أداة تفاوض؟

ورأى ستيفن بيفر، وهو سفير أميركي سابق لدى كييف وباحث في أكاديمية روبرت بوش في برلين، أن تحركات القوات الروسية كانت بنسبة «90 في المئة لتخويف الأوكرانيين»، متابعا: «لا أرى فائدة لدى الروس في الاستيلاء على مزيد من الاراضي».

بيد أن المحلل العسكري الروسي الكسندر غولتس رأى أن تحركات القوات الروسية والتهديد بالتصعيد يراد منهما أن يكونا «اداة للتفاوض الدبلوماسي مع الغرب» في هذه المرحلة التي يشوبها التوتر والعقوبات.