لا حاجة للكثير من العناء لقراءة المدار الذي دخله لبنان، فالمناخ الإيجابي المخيم على عملية تشكيل الحكومة منذ أيام، لم يأتِ من فراغ، بل كان يسير على إيقاع كواليس المساعي الأوروبية لعقد لقاء بين الإيرانيين والأميركيين. لم تأتِ آخر تصريحات لأمين عام حزب الله حسن نصرالله من خارج سياق هذه المساعي، وقد أحدث الرجل تحولاً كبيراً في موقفه عن خطابه السابق، فبدا مسهلاً لمسارات التأليف بدعوته الأفرقاء إلى الذهاب نحو التسوية.
جوهر التغير في مضمون خطاب نصرالله يعود إلى الاجتماع التمهيدي الذي عقد بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي وأميركا للبحث في كيفية العودة إلى مفاوضات الإتفاق النووي. جاءت الأجواء الإيجابية من فيينا لتبلور في لبنان تصوراً حكومياً لتشكيل حكومة 24 وزيراً، بالتزامن مع تكثيف حجم الضغوط الدولية التي تصب في هذه الخانة.وكان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي يوصف بأنه "يلتقط الإشارات" أو يستشرف ما هو آت، أول من قرأ الطوالع المستجدة، فبادر من تلقاء نفسه وطرح صيغة تسوية.وأعاد جنبلاط بذلك إحياء تجربة تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام في عام 2014 التي تم تشكيلها على إيقاع انعقاد لقاء مباشر بين الأميركيين والإيرانيين في سلطنة عُمان، فكان صدى ذلك في بيروت أن شُكّلت حكومة لبنانية بصيغة مشابهة تماماً للصيغة التي طرحها جنبلاط هذه المرة أيضاً، أي حكومة من 24 وزيراً بلا ثلث معطل.عندما بادر جنبلاط، لم يكن ينظر إلى الاستعصاء الداخلي بل إلى تطورات الإقليم والمنطقة، فتلقف رئيس البرلمان نبيه بري مبادرته، وأقنع الحريري بها، كما وجدها حزب الله المخرج المناسب، ولم يعد أمام رئيس الجمهورية ميشال عون خيار لرفضها.وطغت الأجواء الإيجابية على الوضع السياسي العام بعد ثبيت معادلة الـ 24، رغم أن تفاصيل كثيرة لا تزال تحتاج لمزيد من البحث. ولا بد من انتظار مجريات يوم الثلاثاء المقبل موعد انعقاد أول مفاوضات غير مباشرة أميركية ـ إيرانية في فيينا، لتسير العجلة الحكومية في لبنان على إيقاعها ن خلال الإتفاق على توزيع الحقائب والوزراء وباقي التفاصيل. وبحال سلكت مباحثات فيينا طريقاً يسيراً، فإن ولادة الحكومة في لبنان ستكون قريبة. هذا المسار الذي سلكته الأمور لا ينفصل عن تكثيف حجم الضغوط الدولية والتي لم تعد فرنسية فقط، إنما تشمل كل دول الإتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الولايات المتحدة ودول الخليج ومصر.وعلى وقع هذه التطورات الخارجية، شهد لبنان في الأيام الماضية حركة دبلوماسية استثنائية، ذات إهتمام سياسي، وإقتصادي، ومالي. وكان ملف لبنان حاضراً بقوة في إتصال الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وقد جدد الجانب السعودي موقفه الملتزم بشروط المجتمع الدولي، وبضرورة تشكيل حكومة تراعي مطالب ومصالح المجتمعين العربي والدولي وتبعد لبنان عن سياسة المحاور. وتقول مصادر دبلوماسية لـ"الجريدة" إن الفرنسيين أبدوا كل تفاؤل لنتيجة اتصال ماكرون ببن سلمان، وتضيف:"لقد تم تحقيق الكثير من النقاط المشتركة، والبحث سيكون مستمراَ للمزيد من التفاهمات." ولا تنفي المصادر إمكانية أن تجري الزيارة المؤجلة للرئيس الفرنسي إلى السعودية هذا الشهر، في خطوة مرتبطة بأن السعودية ستكون في صلب مفاوضات الأوروبيين والأميركيين مع الإيرانيين من بوابة حرب اليمن ووقفها، والإستجابة للمبادرة التي تقدمت بها المملكة.بموازاة الحركة الفرنسية السعودية، جاء التحرك الألماني من خلال استعداد شركات ألمانية خاصة للإستثمار في مرفأ بيروت وإعادة إعماره، وهو برنامج سيتم الإعلان عنه يوم السابع من أبريل أي بعد يوم واحد من مفاوضات فيينا. الشرط الألماني لبدء الإستثمار هو تشكيل حكومة ذات مصداقية قادرة على تنفيذ برنامج الإصلاح. كل هذه الضغوط تصب في خانة إبعاد لبنان عن سياسة المحاور، وهذا قرار لا بد لإيران من الإقتناع به، قناعة ستكون مرتبطة بتقديم تنازلات حقيقية لتتمكن أي حكومة من العمل. ومما لا شك فيه أن أي حكومة ستتشكل سيكون المطلوب منها اتخاذ قرارات جذرية تندرج في سياق "التنازلات الإيرانية" في لبنان، وهي تنازلات لم يكن بالإمكان تقديمها قبل جلوس طهران على طاولة التفاوض، الأمر نفسه ينطبق على الوضع في اليمن. من بين هذه التنازلات أيضاً وقف السياسة المالية والنقدية المتبعة في لبنان من خلال الإستمرار بسياسة الدعم، والشروع في رفعه أو ترشيده عن مواد وسلع أساسية، وهذا أيضاً أصبح مطلباً دولياً كان "حزب الله" يرفضه بشكل كامل.
أخبار الأولى
«التأليف» في بيروت يسير على «إيقاع فيينا»
04-04-2021