رياح وأوتاد: كما توقعت... مزيد من التناقضات البرلمانية والحكومية
• لا وجه للمقارنة بين مقاطعة الأعضاء لقسم الحكومة في مجلس الأمة: الأول (1963) والمقاطعة التي كادت أن تكتمل قبل أيام، لأن المقاطعة الأولى كانت احتجاجاً على مخالفة الحكومة لنص المادة (131) من الدستور بتعيين عدد من كبار التجار المعروفين وزراء فيها، أي أنها لم تكن احتجاجاً على تعيين رئيس الوزراء (الشيخ صباح السالم) ولا على رئيس مجلس الأمة (عبدالعزيز الصقر) رحمهما الله، كما هي الحال في المقاطعة الثانية قبل أيام والتي كانت بسبب تعيين الرئيسين. • وكذلك فإن استقالة أول رئيس لذلك المجلس (الصقر)، رحمه الله، لم تكن بسبب حملة النواب وهجومهم عليه ولا بسبب تصويت الحكومة له في الرئاسة، والصحيح أن كل النواب والحكومة كانوا يترجونه ليتراجع عن الاستقالة. إذاً فقياس بعض الإخوة النواب الحاليين والمتحمسين معهم ما تم في المجلس الحالي على وقائع المجلس الأول غير صحيح تماماً.
• ومن التناقض أيضاً أن يقسم بعض النواب على احترام الدستور ويرفضون تعيين رئيس الوزراء قبل مباشرته القسم، مع أن تعيين رئيس الوزراء حق دستوري للأمير وحده، ولا يتطلب قراراً بمنح الثقة من المجلس كما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور، وكان بإمكانهم استجواب رئيس الوزراء بعد مباشرته عمله واختصاصاته إذا رأوا ما يوجب ذلك. • ومن التناقض أيضاً ما أشار إليه تقرير الشال الاقتصادي لجاسم السعدون يوم أمس، حيث رفضت الحكومة في اللجنة المالية تأجيل أقساط البنوك ستة أشهر بحجة أنه سيكلف 400 مليون دينار، وأن البلد يعاني عجزا شديدا في الميزانية، كما تطالب الحكومة بالاقتراض بالمليارات، وربما ستفرض رسوما على المواطنين، وتعود عن ذلك كله لتوافق على اقتراح بقانون لتأجيل الأقساط وتحميل الخزانة كلفة التأجيل الذي ستستفيد منه البنوك بالرأس المرفوع، وكان بإمكان الحكومة أن تصرف راتباً كاملاً لكل من توقف راتبه بسبب وباء كورونا وهذا الإجراء لا يكلف الخزانة العامة أكثر من عشرة ملايين دينار فقط. • ومن الجيد والمحمود أيضاً أن الحكومة هي التي دافعت عن كرامات الناس وخصوصياتهم، حيث قام وزير الإعلام مشكوراً بالوقوف ضد إلغاء نصوص خدش الآداب العامة، والتحريض على ارتكاب الجرائم وغيرها من الفقرات التي طالبت لجنة التعليم والإعلام في مجلس الأمة بإزالتها من القوانين الإعلامية للأسف، بينما كان من المفترض أن يكون النواب هم خط الدفاع الأول عن كرامات الناس والآداب العامة. • ومن تناقضات المجلس تقديم الاستجواب تلو الاستجواب مما دفع الحكومة إلى طلب تأجيل الاستجوابات إلى ما بعد دور الانعقاد التالي، وللأسف تجاهل الأعضاء حكم المحكمة الدستورية رقم 8 لسنة 2004 بشأن المادة 100 من الدستور التي جاء فيها: «مما هو غني عن البيان أن إمطار الحكومة بوابل من الاستجوابات في المجلس النيابي من غير ضرورة أو أهمية يعطل الحكومة عن أعمالها، ويضيع على المجلس النيابي وقته في مثل هذه الاستجوابات ويقلل من قيمتها». ولكن حتى معالجة هذا الإمطار بالتأجيل الطويل تم بشكل غير سليم، إذ تنص لائحة المجلس على أن يكون التصويت على التأجيل بأغلبية الأعضاء وبالنداء بالاسم لا برفع الأيدي. • ومن التناقض أيضاً أن يسعى بعض النواب إلى سحب الثقة من رئيس المجلس متسلحين ببعض الآراء القانونية رغم النصوص الدستورية الواضحة والنقاش الدستوري الذي حسم هذا الموضوع في المجلس التأسيسي والتصويت عليه في (جلسة 21 /62) بتاريخ 25/ 9/ 1962. • ومن التناقض الملاحظ أيضاً حجم تأثر الأعضاء بما يكتب في وسائل التواصل ومحاكاتهم لها رغم ما فيها من أخطاء وأحياناً ضغوط تصل إلى حد عدم احترام الآخر كما رأينا في موضوع مقاطعة جلسة القسم، وذلك بدلا من أن يكون مرجعهم هو الشرع والدستور وأصحاب الخبرة والتجربة والمتخصصون في كل مجال والأساتذة الدستوريون الذين عُرفت فتاواهم بالعلم والحيادية، فالأعضاء يجب أن يقودوا الشارع لا أن يقودهم الشارع. • والخلاصة أن تصوير ورقة انتخاب الرئاسة لم تكن آخر مخالفة تناقض حكم الدستور واللائحة في المجلس كما توقعت ذلك في مقالي المنشور في هذه الزاوية بتاريخ 21/ 12/ 2020 عن أحداث الجلسة الأولى، وكان بعنوان: «هذا أولها... الله يعين الكويت على تاليها»، وقد صحت توقعاتي.