ملاحظات على تقرير حقوق الإنسان الأميركي
تُصدر الخارجية الأميركية العديد من التقارير العالمية السنوية وغير السنوية، مثل الاتجار بالبشر، والحريات الدينية، والمخدرات، والإرهاب، بالإضافة إلى تقرير حقوق الإنسان الذي يعد أقلها أهمية سياسياً، فلا يتضمن إجراءات لاحقة، أو تصنيفات تراتبية، ليتحول إلى استعراض وصفي لحالة حقوق الإنسان في العالم، مما قد يجعله مفيداً معلوماتياً أكثر منه سياسياً، حيث تحرص الكثير من الدول على إخفاء معلومات أوضاعها الإنسانية، وبعضها يفتقر إلى تلك المعلومات بالأساس.يغطي التقرير كل دول العالم تقريباً، ويسعى للالتزام بمنهجية قائمة على مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أعلنت أميركا منه موقفاً سلبياً بعد صدوره عام 1948، ومازالت ترفض الانضمام إلى أغلب اتفاقيات حقوق الإنسان، بل حتى وقت قريب كانت أميركا والصومال تكادان تكونان الدولتين الوحيدتين في العالم اللتين لم تنضما إلى اتفاقية حقوق الطفل.يعد التقرير أقدم تقرير رسمي حكومي يصدر عن حقوق الإنسان منذ زمن الرئيس جيمي كارتر، الذي له إسهاماته الحقوقية، إلا أن التقرير كان يتسبب في إزعاج دبلوماسي للحكومة الأميركية خشية تأثر العلاقات الثنائية، ولكنه بعد سنوات طوال صارت فكرة التقرير اعتيادية لدول العالم.
ومع أنه الأقدم من بين التقارير، فإنه ظل جامداً، منهجياً، وبالتالي مضموناً، فهو ليس تقريراً حقوقياً بالمعنى الاحترافي، ولا هو تقرير سياسات عامة، ولا توجد به توصيات ولا رؤية واضحة، بل يبالغ أحياناً في المنهج الوصفي، لدرجة تضيع الواصف والموصوف، وتتداخل فيه الأفكار والبنود لدرجة أنها تسيح على بعضها، ولا تفهم المطلوب منه ولا الخلاصة. ويبدو أن الإشكالية هي في مصطلح "حقوق الإنسان"، فهو مصطلح معبأ بافتراضات وافتراضات مضادة، حتى قبل قراءة منتقدة له، هذا إن كان قد قُرِئ. وعادة ما يطرح التساؤل التقليدي وهو: هل يحق لأميركا انتقاد الدول وهي الفاقدة لمصداقيتها ومنتهكة لحقوق الإنسان حتى النخاع؟! الواضح لدينا أن التقرير بشكله الهلامي لا ينتقد، بل يدرج معلومات، مصادر أغلبها رسمية، وعادة ما تخونه الخائنات التوثيقية أو التدقيقية، عن قصد أو عن غير قصد. فتقرير حقوق الإنسان الأميركي لا يقارن مثلاً بتقرير الاتجار بالبشر، من حيث وضوح منهجه، وتحري الدقة، وتضمنه آليات تصنيفية، ليصبح شبيهاً بتقارير السياسات العامة، تلك المنهجية غائبة في التقرير السنوي لحقوق الإنسان، ولذلك ستجد اختلافاً بين دولة وأخرى.التقرير بحاجة إلى تطوير جذري لكي تستفيد منه الدول، حيث إنه قلما يستخدم في السياسة الخارجية، كما تستخدم التقارير الأربعة الأخرى، المذكورة أعلاه. ويبدو أن صناع السياسة الخارجية الأميركية مدركون لنقطة الضعف تلك، وربما يريدونه كذلك، فلم يتم ذلك التحديث، وظل على "طمام المرحوم"... أما القسم الخاص بالكويت، فهو موضوع المقال القادم.