أجمع عدد من خبراء القانون الجزائي على ضرورة مواجهة القانون الذي وافق عليه مجلس الأمة بالمداولة الأولى قبل نحو أسبوع، والذي يقضي بعدم جواز إصدار أجهزة التحقيق لأي قرارات بالحبس الاحتياطي للمتهمين في قضايا الرأي.وأكد هؤلاء القانونيون، لـ «الجريدة»، أن خلو ذلك القانون من تعريف واضح لجرائم الرأي يثير شبهة عدم دستوريته، لافتين إلى أنه يتضمن تناقضاً واضحاً في نصوصه، إذ يمنع جهات التحقيق من تقرير الحبس الاحتياطي ويسمح في الوقت نفسه بتوقيع عقوبة الحبس على المتهمين في تلك القضايا... وفيما يلي المزيد من التفاصيل:
قال أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. مشاري العيفان إن «هناك إشكالية بشأن هذا المشروع من حيث تناقض الهدف، إذ يعالج الحبس الاحتياطي ويذكر أن هذا الاجراء لا يتعين اتخاذه في هذا النوع من الجرائم المذكورة، وفي المقابل يبقي على العقوبة الاصلية للجريمة والتي قد تتضمن الحبس، فهو يرفض الحبس الاحتياطي ويقبل بعقوبة الحبس كعقوبة مقررة للجريمة، وكأن الغايات والاهداف من ورائه عدم الاطمئنان وعدم إرساء الثقة بجهاز التحقيق المختص، وعدم إعطائه فرصة لحبس الافراد على ذمة هذا النوع من القضايا، وتلك هي الاشكالية الاولى فيما يتعلق بالهدف من القانون».
الناحية الاجتماعية
وأضاف العيفان أن الاشكالية الثانية تتمثل فيما اورده المشرع من مصطلح لا يعرفه قانون الجزاء ولا يعرفه المشرع وهو استخدام لفظ دارج من الناحية الاجتماعية ولكنه لفظ في غاية الخطورة لانه غير محدد المعالم، «وعندما نتكلم عن جرائم الرأي فهو مصطلح واسع جدا وما نفترض أنه جرائم قد يذهب البعض إلى انه فقط الجرائم القولية، والحقيقة انها ليست الجرائم القولية فقط بل كل ما يرتكب تعبيرا عن الرأي سواء كتابة او قولا، وبالتالي النص لا يقف امام حدود واضحة للجرائم المشمولة في هذا المشروع، ومن ثم فهناك نوع من الشبهة الدستورية حول انتهاك مبدأ المشروعية في تحديد ما يدخل وما لا يدخل، وهذه الجرائم ممكن أن ترتكب قولا او كتابة».وتساءل: «ماذا عن الجرائم التي تعبر عن الرأي بالافعال، كما لو أنني عبرت عن عدم رضائي عن اداء رئيس مجلس الوزراء او وزير معين او عضو برلمان فسوف ارتكب اعتداء بدنيا بحقه؟ وهو تعبير عن الرأي وسواء اتفقنا او اختلفنا معه فهناك من سيتمسك بأنه من جرائم الرأي، وأنا أعلم ان ذلك توسع، ولكنه اشكالية قد تدخلنا بسبب هذا المشروع، وعن اثر تطبيقه فهذا النص اجرائي يطبق بشكل مباشر ويطبق على كل شخص محبوس حبسا احتياطيا في قضايا الرأي ويتعين ان يتم الافراج عنه».إشكالات
من جانبه، قال رئيس قسم قانون الجزاء في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. حسين بوعركي إن هذا النص سيثير إشكالات كثيرة في تطبيقه، وستختلف المحاكم وجهات التحقيق في تفسيره.وأضاف بوعركي أن فحوى هذا النص المنع من الحبس الاحتياطي لمن يمارس حقه في التعبير، وهنا نحن أمام فرضيتين: هل المقصود من يرتكب جريمة اثناء ممارسته الحق في التعبير أم المقصود من يمارس حقه في التعبير دون ارتكاب جريمة؟وتابع: «سنكون امام نص مبهم وستختلف المحاكم في تطبيقه، ونود أن نشير هنا الى أمر هام هو أن هذا النص لا يلغي عقوبة الحبس بل يلغي فقط عقوبة الحبس الاحتياطي، وعليه سنكون أمام ازدواجية في التعامل مع جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس ولكن لا تستطيع جهة تحقيق أن تقوم بالحبس الاحتياطي على هذه الجريمة»، معتقداً أن شبهة عدم الدستورية ستكون حاضرة في هذا النص.ولفت إلى ان المحاكم وجهات التحقيق لو تجاهلت هذا النص ولم تعره اهتماماً فلن تكون مخطئة.صياغة فضفاضة
بدورها، رأت أستاذة القانون الجزاء في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. نورة العومي ان المشرع مازال مستمراً في إصدار قوانين مبهمة، «وأصبحنا نعاني أزمة العدالة الجنائية المتمثلة بعدم تطبيق القانون لأنه غير قابل التطبيق. فماذا قصد القانون بالقول: لا تسري أحكام الحبس الاحتياطي على من يمارس حقه في التعبير عن الرأي؟ إذ لا يوجد بالقانون الجزائي جريمة تسمى «جريمة تعبير عن الرأي»، فمثل هذه الصياغة الفضفاضة تدخلنا بالجدل حول تأطير التطبيق وما هي الجرائم التي لا تسري عليها أحكام هذا القانون من عدمه؟ فإغفال تحديد نطاق التطبيق فيه مخالفة لمبدأ المشروعية الإجرائية.وأوضحت العومي أن المشروعية الإجرائية هي من القواعد الشرعية الجزائية وهي أصلاً أساس في النظام الاجرائي لا يجوز الخروج عنه وتقابل أهميتها قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات المصونة بالدستور والقانون، وإعمالاً لهذا المبدأ يجب أن تصاغ القوانين الإجرائية ليبلغ بها حد اليقين يعصمها من الجدل، مؤكدة أنه كان من الأجدر تسمية الجرائم حصراً.الأصلح للمتهم
وعن أثر هذا القانون على القضايا، ذكرت العومي أن الحبس الاحتياطي إجراء من الإجراءات التحفظية الاستثنائية وليس عقوبة جزائية ويطبق بأثر فوري ومباشر على جميع القضايا المنظورة لدى سلطات التحقيق والمحاكمة قبل صدور الحكم البات، كما يطبق بأثر رجعي على الأفعال التي ارتكبت قبل صدوره وفقاً لقاعدة رجعية النصوص الأصلح للمتهم. وتطبيقاً لذلك، إذا ارتكب شخص فعلاً بسبب ممارسة حقه بالتعبير عن الرأي كالسب أو القذف وصدر عليه قرار بالحبس الاحتياطي من سلطة التحقيق يطبق على المتهم القانون الجديد فور نفاذه لأنه أصلح له.ورأت أن إلغاء الحبس الاحتياطي هو تعديل إجرائي لا موضوعي إذ لا يزال التعبير عن الرأي بموجب قانون الصحافة والنشر وقانون الجرائم الالكترونية والاتصالات مقيداً ويعد جريمة وكان من الأجدر إلغاء نصوص التجريم برمته عوضا عن إلغاء الحبس الاحتياطي.المقاصد التشريعية
أما عضو مكتب أركان للاستشارات القانونية المحامي أحمد الهندال فأكد أنه كان يتعين على المشرع أن يقوم بتعريف جرائم الرأي قبل منع جهات التحقيق من اصدار قرارات بالحبس الاحتياطي فيها، لافتاً الى ان هذا التشريع يخلو من المقاصد التشريعية التي يتعين ان يتصف بها التشريع لاسيما ذلك المتصل باجراءات التحقيق الجزائي.ويوضح الهندال أن ما يعتبره البعض من قبيل جرائم او قضايا الرأي لا يراه آخرون كذلك، وهو الامر الذي سيدخل جهات التحقيق في اشكالية تفسير نصوص وأحكام هذا القانون، فضلا عن ان نصه ينطوي على شبهة التدخل في اعمال سلطات التحقيق ممثلة في النيابة العامة والقضاء وتحديدا قضاء تجديد الحبس وهو تدخل يتعارض مع احكام المادتين 50 163 من الدستور بما يثير شبهة عدم دستورية هذا التشريع، ولذلك يتعين على مجلس الأمة إعادة صياغته مجدداً وإيضاح مقاصده حتى لا يكون عرضة للحكم بعدم دستوريته.التعديل الجديد
يتضمن التعديل الجديد الذي اصدره مجلس الأمة اضافة المادة التالية: تضاف إلى المادة (69) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية رقم (17) لسنة 1960المشار إليه، فقرة أخيرة نصها الآتي:مادة 69 فقرة أخيرة:«وفي جميع الأحوال لا تسري أحكام الحبس الاحتياطي على من يمارس حقه في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو الرسم أو غير ذلك، بما في ذلك أن يكون التعبير عن الرأي عن طريق وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي».