تباين داخل إدارة ماكرون حول أزمة لبنان
تحرك مصري لعدم كسر الحريري أو فرض أعراف جديدة
جاء التحرك المصري تجاه لبنان، بينما تواجه المبادرة الفرنسية العثرة تلو الأخرى، في محاولة، حسب ما تشير المعلومات، تهدف إلى الحفاظ على جوهر المبادرة الفرنسية وعدم تحويرها أو تجويفها، أي تشكيل حكومة اختصاصيين تعمل على وقف الانهيار، بعيداً عن الحسابات السياسية «الضيقة».وزار وزير الخارجية المصري سامح شكري بيروت، وجال على مختلف المسؤولين، بعد أن شهدت الأيام الماضية تخبطاً فرنسياً واضحاً حول آلية التعاطي مع الملف اللبناني وعملية تشكيل الحكومة وكيفية تخريجها، مما يعكس اختلافات في وجهات النظر داخل الإدارة الفرنسية نفسها. ومنذ أيام نشّطت باريس حركتها تجاه لبنان، في محاولة جديدة لاستيلاد حكومة، وكانت فكرتها ترتكز على توفير ظروف لعقد لقاء بين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل.
تبنِّي باريس لهذه الفكرة يعود إلى اقتناعها بشكوى أوضحها لها رئيس الجمهورية ميشال عون، مفادها أنه لا يمكن للرئيس المكلف أن يلتقي نبيه بري ووليد جنبلاط ويأخذ بمطالب «حزب الله» بينما يرفض لقاء رئيس أكبر كتلة مسيحية. اقترحت فرنسا الفكرة على الحريري فرفض عقد مثل هذا اللقاء، لأنه يؤدي إلى إعادة تعويم باسيل سياسياً، بينما لو وافق كان يفترض أن يتوجه إلى باريس ويلتقي بباسيل هناك. أرفق الحريري رفضه باقتراح الدعوة لعقد اجتماع موسع للقيادات اللبنانية، سواء في باريس أو في بيروت، ولو في قصر بعبدا، فهو مستعد للذهاب مع مختلف القيادات، لكنه لا يريد أن يعقد لقاءً ثنائياً مع باسيل، لأن ذلك سيخسره كثيراً وسيؤدي إلى تكريس باسيل لاعباً مقرراً في عملية تشكيل الحكومة. وكشفت مصادر دبلوماسية لـ «الجريدة» أن اختلافاً في وجهات النظر حصل داخل الإدارة الفرنسية، خاصة أن باريس لا تريد تكرار تجربة اجتماع قصر الصنوبر عندما جمع ماكرون كل القيادات اللبنانية، لكن خرج اللقاء بلا أي نتائج.وتقول هذه المصادر إن الرئيس ماكرون ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط باتريك دوريل كانا من المتحمسين لفكرة لقاء الحريري - باسيل، أما رئيس المخابرات الخارجية برنار إيمييه، وأحد الموكلين بالملف اللبناني إيمانويل بون، ووزير الخارجية جان إيف لودريان، فكانوا من المعارضين لهذه الخطوة. وتدخل لودريان بكل ثقله لإقناع ماكرون بالإقلاع عن هذه الفكرة، فباسيل عليه عقوبات أميركية، وما يجري سيعيد تعويمه، وقد يدخل المبادرة الفرنسية في سياقات بعيدة عن جوهرها. لكن داخل الإدارة الفرنسية هناك من كان يفكر بمنطق انتخابي، وتحسباً لأن تستغل المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن، التي تجمع عائلتها علاقة تاريخية مع رئيس الجمهورية ميشال عون، مواقف ماكرون في لبنان للنيل منه، من خلال التصويب على أنه لا يدعم «مسيحيي الشرق» ولا الطرف المسيحي القوي، وهو يهدد بفرض عقوبات على هذا الطرف المسيحي. كل هذه الحسابات التفصيلية أصبحت حاضرة في صلب المداولات الفرنسية للخروج من المأزق اللبناني. ونتيجة انسداد الأفق، قررت باريس وقف كل الحركة مرحلياً لجلاء الصورة.في هذه الأجواء، جاءت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى لبنان. مصر كانت داعماً ومؤيداً للمبادرة الفرنسية، على الرغم من وجود خلافات حول بعض النقاط، فالقاهرة رفضت إسقاط مبدأ المداورة، من خلال موافقة الفرنسيين على منح وزارة المال للطائفة الشيعية، كما تحفظت عن فكرة توسيع الحكومة وتشكيلها ولو لم تكن مكتملة المواصفات. وعارض المصريون عقد لقاء بين الحريري وباسيل، بل إن شكري لم يدرج لقاء باسيل على جدول أعمال زيارته البيروتية، التي شملت مختلف الشخصيات السياسية ورؤساء الأحزاب، وهو ما انعكس استياءً لدى التيار الوطني الحرّ. من هنا لا تزال مصر تؤكد التمسك بجوهر المبادرة الفرنسية، أي تشكيل حكومة اختصاصيين بلا ثلث معطل، ورغم أنها تفضل حكومة مصغرة، فهي لا تمانع توسيعها إلى 24 وزيراً، في حال توافق الجميع على هذه الصيغة، بشرط عدم تحويل الحكومة إلى حلبة سياسية.تصريحات الوزير المصري في بيروت، وما أكده لمختلف السياسيين الذين التقاهم، تشير إلى تكامل تام بين مصر والفاتيكان والبطريرك الماروني بشارة الراعي، أي الثبات على حماية الدستور ومؤسسات الدولة، وعدم شخصنة الاستحقاقات، وعدم الإقدام على أي خطوة من شأنها تكريس أعراف جديدة، تؤدي إلى كسر طرف لحساب الآخر، مع ما يعنيه ذلك من رفض مصري لـ «كسر» الحريري في عملية تشكيل الحكومة وإجباره على تقديم تنازلات. كل الحركة الداخلية ومواكبتها دولياً لم تؤد إلى نتيجة حكومية حتى الآن، هذا الأمر يدفع الكثيرين إلى الرهان على نتائج «مفاوضات فيينا» مع إيران، وما يمكن أن تحققه في الأيام المقبلة قد يكون هو العامل الوحيد، إما للضغط على القوى اللبنانية لتشكيل حكومة، وإما للاستمرار في الفراغ.