حتى لا يكون برنامج عمل الحكومة «كومة ألفاظ»
لقد تأصل مفهوم تحول لقناعة لا تتزحزح لدى المواطن بأن الحكومة هي من يجب أن تفعل كل شيء والمواطن متلقّ سلبي، أو بالتعبير الفلسفي المواطن قابل لا فاعل، ومما زاد هذه القناعة تجذُّراً أن الحكومة بعد الطفرة والوفرة النفطية تولت إنتاج وإدارة معظم الخدمات من تعليم وصحة وصناعة الطاقة والماء ومواصلات واتصالات وتوفير وظائف... إلخ. بطبيعة الحال كانت بداية إنتاج وتقديم هذه الخدمات في الذروة، ولكن مع الزمن وتضخم القطاع الخدمي والصناعي المُدار من القطاع العام بدأت الشروخ وملامح التراجع تتفاقم وتزايدت رداءة الخدمات وطغت الفوضى والعشوائية ليأتي الفساد الفاقع ليزيد الطين توحُّلاً حتى وصلنا إلى ما نحن فيه.وما زال هناك إصرار على استحواذ وتفرد الحكومة في ملكية وادارة قطاعات الإنتاج عبر جهاز وظيفي متهالك تنخر فيه المحسوبية والمحاصصة والتنفيع والفساد.
ولا يفكر أحد في التخلص من هذا القطاع العام عبر نظام للخصخصة يضعه البرلمان فيكون في الذروة في رشده وإحكامه. والخطير في الأمر أنه في ظل هذه البنية البيروقراطية الشمولية يتحول المواطن عملياً إلى كائن سلبي أشبه بسِن ذائب في تروس هذا الوضع الذي يفرم الفرادة والاستقلال وبالتالي الإبداع فرماً.وتظل عقلية المواطن ضمن هذه البنية الشمولية لا تتسع لاستيعاب أن مبدأ تحويل الكويت إلى دولة يدير القطاع الإنتاجي فيها القطاع الخاص الذي هو الآخر اكتنز بآفة الاستغلال والاستحواذ ومن هنا لن ينفطم المواطن عن الضرع الحكومي الذي سيجف يوماً ويتجعد وقد بدأت بالفعل عملية الجفاف.وقد تخلى الشعب في هذا الواقع عن مسؤوليته التي يبلورها الدستور في وجوب تقديم الحكومة برنامج العمل فور تشكيلها الذي لا يتأتى تحقيقه حسب منطوق ومفهوم المادة الدستورية رقم 98 إلا بقيام منظمات المجتمع المدني والكتل والقوى السياسية الحية بوضع برنامج العمل في بحر السنوات الأربع الفائتة فيتم اختيار الحكومة من قبل رئيس الوزراء بناء على متطلبات ومقاييس برنامج العمل، ولكن العقلية التي انعجنت في ظل النظام الاقتصادي الشمولي ودولة الرعاية لم يتفطَّن إلى مقصود المشرع، فقد قرأت قبل أيام توجه البعض إلى رفع غموض المادة الدستورية 98 بخصوص كلمة فور تشكيلها لتحدد المحكمة الدستورية التفسير لهذه الكلمة والمدة المطلوبة. ها هي الحكومة تقدم برنامج عملها الذي أشبه بشعارات معلقة في الهواء بلا استهدافات تلامس متطلبات المرحلة التي نعيشها بكل ما تموج به من تحديات ومخاطر، وبدون معايير كمية وزمنية تحكم هذه الاستهدافات وبدون احتذاء للتجارب والتطورات الجذرية والمتسارعة في دول مجلس التعاون وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.برنامج عمل لا يعدو أن يكون كومة ألفاظ وتمنيات نمطية تلوكها الحكومات المتعاقبة سنوياً.الكرة في ملعب المجلس لكي يضع ملاحظاته بشكل مكتوب بعد تلقي ملاحظات وآراء ذوي الاختصاص لكي يجبر الحكومة على وضع برنامج عمل يستجيت لمتطلبات المرحلة، وينهي البرامج الهلامية والزئقبية التي تقدمها الحكومة ولنتذكر في هذا السياق ما قاله الدكتور عادل الطبطبائي إن مجرد عدم أخذ الحكومة بملاحظات المجلس على البرنامج يوجب تحريك المساءلة السياسية التي تصل إلى حد إعلان عدم التعاون أو حجب الثقة عن الوزير المختص. (النظام الدستوري في الكويت- د. عادل الطبطبائي 834– 839). وقبل هذا لابد للبرلمان أن يضع استهدافات على رأسها تخصيص القطاع العام كله، وتعديل مبرمج وواضح للتركيبة السكانية بما لا يقل عن جعل نسبة الكويتيين 50% خلال أربع سنوات وفرض التكويت بنسبة 70% وتوزيع 25% من صافي أرباح الصناديق السيادية سنوياً ونشر بياناتها (أون لاين)، وتحرير الساحل من التعديات والشاليهات وإقامة مدن إسكانية على نظام شقق للمواطنين، لتقليل حوادث المرور بنسبة 90% التي يروح ضحيتها 428 قتيلا سنويا وفرض السيارة الكهربائية كما في النرويج خلال أربع سنوات.وبرمجة السرعات مركزيا حسب المناطق والشوارع الداخلية 45 والسريعة 80 وهي ما ستكون أول تحربة في العالم ومناسبة مع صغر مساحة الكويت وتنهي الحوادث القاتلة، والحكومة فقط تدير الأمن ومؤسسات العدالة والرقابة على جودة الخدمات وتطويرها ومتابعة الأداء.