قالت نائبة الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني ورئيسة مجلس إدارة بنك الكويت الوطني– مصر شيخة البحر، إن عام 2020 قد شهد ظروفاً تشغيلية صعبة وتحديات غير مسبوقة فرضتها تداعيات جائحة كورونا، ورغم ذلك، أثبت القطاع المصرفي المصري قدرته على تخطي تلك الظروف بفضل ما يتمتع به من جودة أصول ومعدلات رسملة مريحة وسيولة قوية.
أداء استثنائي
وأضافت البحر، خلال مقابلة أجرتها مع مجلة ذا بانكر العالمية، إن البنوك المصرية استطاعت رغم الأزمة الحفاظ على معدل كفاية رأسمال يفوق المتطلبات الرقابية بلغ في المتوسط 19.8 في المئة، كما أظهرت نتائج اختبارات الضغط قدرة القاعدة الرأسمالية للبنوك على استيعاب المخاطر الاقتصادية التي قد تنتج عن الموجة الثانية لتفشي فيروس كورونا.وأكدت أن السياسات المالية والنقدية للحكومة والبنك المركزي خلال الازمة نجحت في الحد من تداعيات الجائحة، وهو ما انعكس إيجاباً على قطاع البنوك، إذ تسارع نمو الائتمان، وارتفع بنحو 23 في المئة على أساس سنوي بنهاية ديسمبر الماضي، وذلك بدعم من خفض معدلات الفائدة لتحفيز الاقتصاد ومبادرات البنك المركزي لدعم قطاعات الصناعة والزراعة والمقاولات، وكذلك مبادرات دعم وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.وأوضحت أن البنوك احتفظت بمستويات جودة أصول قوية، رغم الازمة، ودعم احتواء معدلات التعثر رغم التداعيات مواصلة الحكومة تنفيذ مشروعات البنية التحتية في إطار سياستها المتوازنة بين فرض التدابير اللازمة لمكافحة انتشار وباء كورونا، مع الأخذ في الاعتبار الحد من التداعيات الاقتصادية.وبينت أن البنوك لم تحتج إلى تعديلات تنظيمية لزيادة قدرتها على تمويل مبادرات الحكومة والبنك المركزي لتحفيز الاقتصاد بفضل ما تمتلكه من معدلات سيولة قوية. فعلى الرغم من خفض الفائدة في مارس فإن إجمالي الودائع، خلال ستة أشهر، قفز بأكثر من 12 في المئة ليتخطى 5 تريليونات جنيه بنهاية سبتمبر.فرص واعدة
وعن رؤيتها لمستقبل الاقتصاد المصري، قالت البحر، إن الاقتصاد المصري يعد الوحيد بالمنطقة الذي سجل نمواً خلال الجائحة، والمتوقع استمراره مع تسارع حملة التطعيم وتعافي الاقتصاد العالمي، متوقعة أن ينمو الاقتصاد بنحو 2.8 في المئة في السنة المالية الحالية، ويزداد إلى 5 في المئة على المدى المتوسط على خلفية التزام الحكومة بالإصلاحات، واستمرار دعم صندوق النقد الدولي.وأشارت إلى أن الخطة الطموحة لتطوير البنية التحتية والإنفاق على مشروعات التنمية تدعم النمو المستقبلي، إذ يظهر ذلك بشكل واضح في الموازنة التقديرية للعام المالي الجاري، والتي زاد فيها الإنفاق الاستثماري 26 في المئة عن العام المالي السابق ليصل إلى 177 مليار جنيه، وهو ما يمثل ركيزة أساسية لنشاط قطاع الأعمال ويدعم نمو الائتمان.واستكمالاً للركائز التي تدعم الفرص الواعدة بالاقتصاد المصري، قالت البحر: "تمثل التركيبة السكانية لمصر أحد أبرز ركائز نمو الأعمال، إذ يبلغ عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً نحو 66 في المئة من إجمالي عدد السكان، ولهذا نرى فرصاً واعدة لنمو قطاع التجزئة الذي نركز على التوسع فيه خلال المرحلة المقبلة".وتتزامن تلك التركيبة السكانية مع استمرار نحو ثلثي سكان مصر بدون حسابات مصرفية، وهو ما يفتح آفاقا كبيرة للنمو في المستقبل خاصة مع جهود الحكومة والبنك المركزي المكثفة لزيادة معدلات الشمول المالي، والتي كان آخرها قرارات "المركزي" التي سهلت فتح حساب مصرفي جديد للعملاء من الأفراد والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.دعم الاقتصاد
وعن دور البنوك في دعم الاقتصاد والعملاء خلال الأزمة، قالت البحر: "استطاعت البنوك المصرية القيام بأدوارها التمويلية خلال جائحة كورونا وسط بيئة فائدة منخفضة ودون الحاجة إلى تخفيف البنك المركزي للمعايير الرقابية، وذلك بفضل ما تتمتع به من ملاءة مالية قوية ونسب سيولة مرتفعة مكنتها من تمويل زيادة الإنفاق الحكومي لتمويل سياسات الحد من انتشار الوباء وإنعاش الاقتصاد، وكذلك مبادرات البنك المركزي التي أطلقها لتخفيف تداعيات الأزمة على القطاعات المتضررة".وأشادت بما أطلقه "المركزي" المصري من مبادرات وتوجيهات للبنوك ساهمت في تخفيف التداعيات، وفي مقدمتها خفض الفائدة 400 نقطة أساس لتحفيز النشاط الاقتصادي، إضافة إلى تأجيل كل الاستحقاقات الائتمانية للعملاء من الافراد والشركات الصغيرة والمتوسطة دون عوائد أو رسوم مدة ستة أشهر، وإعادة هيكلة مديونيات العملاء وفقاً لتدفقاتهم النقدية المستقبلية، بالإضافة إلى العديد من المبادرات الداعمة للقطاعات الأكثر تأثراً مثل السياحة وغيرها من القطاعات.السيطرة على التضخم
وتعليقاً على خفض الفائدة وأثرها على أداء قطاع البنوك، قالت البحر: "أدى قرار خفض الفائدة في إطار سياسة نقدية تيسيرية نجحت في السيطرة على معدلات التضخم إلى تسارع وتيرة نمو الائتمان الذي لم يتأثر بتداعيات الأزمة، مما ساهم في تخفيف الضغوط على الهوامش نتيجة الخفض. حيث انعكس نمو الائتمان على معدل القروض إلى الودائع الذي تخطى 47 في المئة بنهاية سبتمبر من مستويات أقل من 45 في المئة في نهاية 2019، وهو ما يدعم ربحية البنوك". ولفتت إلى إمكانية تعرض الهوامش لبعض الضغط خلال العام الحالي والمقبل، نتيجة تراجع الفائدة والاستمرار في سياسة التيسير النقدي، خاصة مع تراجع معدلات التضخم لأقل من المستويات المستهدفة في ظل اعتماد المحفظة الائتمانية للعديد من البنوك على تمويل أدوات الدين الحكومية، إذ يتخطى حجم استثماراتها في أذون الخزانة الحكومية 2.7 تريليون جنيه، والتي يتوقع أن تشهد تراجعاً في ظل الأهداف التي أعلنتها الحكومة لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يمثل تحديا أمام البنوك للحفاظ على ربحيتها. وذكرت: "بشكل عام ورغم انخفاض الفائدة، تبقى المعدلات الحقيقية للفائدة جاذبة للاستثمار الأجنبي مقارنة بباقي الأسواق الناشئة. ويدعم ذلك تراجع معدلات التضخم لأقل من المستويات المستهدفة من البنك المركزي، وتخطي أغلب الخطوات الإصلاحية التي قد تزيد من الضغوط التضخمية في المستقبل".قانون البنوك
وعن قانون البنوك الجديد، أكدت البحر أنه "كانت هناك حاجة ماسة لإصدار تشريعات جديدة وسط وتسارع تطورات الاقتصاد والصناعة المصرفية على وجه التحديد في ظل ما شهدته التكنولوجيا المالية من تطور، وما أفرزته الأزمة المالية العالمية وتبعاتها من متغيرات جعلت هناك حاجة ماسة لإصدار قانون جديد يكون بديلاً عن آخر قانون لتنظيم عمل القطاع والصادر قبل أكثر من 17 عاما، بهدف توفير إطار تشريعي متكامل يواكب التطورات المتلاحقة للاقتصاد، وقطاع الأعمال، والقطاع المصرفي، ويؤسس لمرحلة جديدة من مراحل تطور النظام المصرفي في مصر". وأشادت بوضع باب كامل في القانون لتنظيم خدمات ونظم الدفع والتكنولوجيا المالية، مشيرة إلى تحديد القانون إطاراً تشريعياً يدعم رسملة البنوك، وزيادة قدرتها على التعامل مع الظروف الاستثنائية. وأشارت إلى تركيز القانون على وضع استراتيجية متكاملة لعلاج مراحل تعثر البنوك بما يضمن تدخل "المركزي" المبكر وفق معايير ومؤشرات واضحة، تساعد على حماية القطاع المصرفي من الأزمات المستقبلية، وتضع آلية محددة للتعامل مع البنوك في حالة التعثر بالفعل، وإنشاء صندوق لتمويل تسوية تلك التعثرات.تحول رقمي
ورداً على سؤال حول التحول الرقمي الذي تشهده البنوك ونمو أعمال شركات الـ Fintech قالت البحر: "أثبتت الجائحة أن عمليات التحول الرقمي لم تعد رفاهية، بل ضرورة بقاء تنذر من يتباطأ في اتخاذ خطوات جادة تجاهها بالخروج من الصناعة المصرفية بالكامل". واهتمت الحكومة خلال السنوات الأخيرة بالتكنولوجيا المالية والمدفوعات الإلكترونية، وانعكست تلك الجهود على المدفوعات بشكل واضح، إذ تجاوز عدد مستخدمي خدمة الدفع من خلال الموبايل 19 مليون مستخدم بنمو سنوي 41 في المئة، وبلغت قيمة المعاملات الشهرية نحو 9.6 مليارات جنيه. وعلى صعيد الخدمات الرقمية، سارعت البنوك إلى زيادة استثماراتها في التحول الرقمي، وتخصيص إدارات للخدمات والمنتجات المصرفية الرقمية، وتشجيع العملاء على إتمام معاملاتهم من خلال القنوات الإلكترونية عبر الهاتف والإنترنت.