بالتزامن مع وصول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى تل أبيب في أول زيارة لمسؤول أميركي رفيع المستوى، بهدف طمأنة الدولة العبرية التي تعارض عودة الولايات المتحدة المحتملة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ألمحت إسرائيل إلى مسؤوليتها عن حادث مشبوه وقع في مفاعل نطنز النووي الإيراني، أمس. وبعد ساعات معدودة من إعلان المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، أن شبكة توزيع الكهرباء في منشأة تخصيب اليورانيوم بـ"نطنز" تعرضت لحادث لم يتسبب بوقوع إصابات بشرية أو تلوث إشعاعي، وأن تحقيقات فتحت لمعرفة أسبابه، ذكرت الإذاعة الإسرائيلية العامة أنه يمكن التقدير بأن ما حدث هو نتاج هجوم سيبراني إسرائيلي.
وعزز المتحدث باسم لجنة الطاقة النووية في البرلمان الإيراني، مالك شريعتي نياسر، عبر "تويتر"، فرضية تورط تل أبيب في الواقعة المشبوهة بـ"نطنز"، قائلا إن "هذا الحادث في ذكرى اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية وأثناء جهود إيران لإجبار الغرب على رفع العقوبات وتدشين أجهزة طرد مركزي متطورة، هو أمر مريب جداً من التخريب والتسلل".وقال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي صالحي إن العطب ناتج عن "عمل إرهابي"، بينما ذكرت القناة الـ 13 الإسرائيلية أن الموساد وراء الهجوم، وأن التخصيب توقف في المنشأة حتى إشعار آخر.وجاء الحادث غداة إطلاق الرئيس الإيراني حسن روحاني اختبارات للتحقق من "الاستقرار الميكانيكي" للجيل الأخير من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية "آي آر 9" التي تسرع وتزيد كميات اليورانيوم المخصب بالمخالفة للاتفاق النووي المبرم عام 2015، وفي خضم مباحثات استكشافية بين طهران والقوى الكبرى، بمشاركة غير مباشرة من قبل "البيت الأبيض"، لبحث سبل إعادة الامتثال للاتفاق الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018. وفي يوليو من العام الماضي، أكدت طهران تعرض وحدة البحث والتطوير في "نطنز" لهجوم، وعلمت "الجريدة" من مصدر مطلع أن الاعتداء تسبب بأضرار كبيرة. وتحدثت تقارير رسمية عن إمكانية أن تكون إسرائيل نفذت الهجوم ضد المنشأة النووية، وقررت توسيع المنشأة وإدخال أجزاء حساسة منها تحت الأرض بعمق 8 أمتار وحمايتها بجدار سمكنه 2.5 متر من الخرسانة.
أوستن وغانتس
في هذه الأثناء، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، تعامل بلاده مع أميركا كشريك كامل في مواجهة تهديدات إيران.وقال غانتس، في مؤتمر مشترك مع نظيره الأميركي: "إن طهران تمثل تهديداً استراتيجيا للأمن الدولي وكل منطقة الشرق الأوسط"، لافتاً إلى أن بلاده تعمل مع الولايات المتحدة للتأكد من أن أي اتفاق مع إيران سيخدم مصلحة البلدين.وتابع: "إسرائيل ستعمل عن كثب مع أميركا لضمان عدم حدوث سباق تسلح خطير في المنطقة، في حالة إبرام اتفاق جديد مع إيران".بدوره، ناقش أوستن التهديدات الأمنية الإقليمية مع غانتس، بما في ذلك "حرب السفن"، الدائرة بشكل غير رسمي حالياً، ودعم طهران لوكلاء في سورية ولبنان وغزة.وقال إن "العلاقة بين أميركا وإسرائيل جوهرية للأمن الإقليمي وثابتة، ولا يمكن أن تنفصم، وقائمة على الثقة، وأتطلع لتعزيز تلك الثقة".وأضاف أوستن أنه أكد خلال محادثات ثنائية "على التزام إدارة بايدن بحماية إسرائيل وأمنها، وأن علاقتنا الثنائية مع إسرائيل مهمة لاستقرار المنطقة".كما أوضح دعم واشنطن الكامل لعمليات التطبيع والسلام بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية.وتأتي زيارة الوزير الأميركي في وقت حساس بعد أن كشفت واشنطن أنها طرحت أفكارا جدية على طهران، خلال مفاوضات فيينا، من أجل حثها على الامتثال إلى تطبيق قيود اتفاق 2015 مقابل رفع العقوبات التي فرضها ترامب، بالمخالفة لنصوص الصفقة النووية.والتقى أوستن، نظيره ورئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي، وسيلتقي اليوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سبق أن أعلن معارضته الاتفاق مع طهران، معتبرا أن الخطوة ستمهد الطريق لامتلاكها أسلحة ذرية "تهدد وجود إسرائيل، ولن يجبرنا أحد على قبوله".وكان كوخافي قال قبيل اللقاء إن نشاطات جيش إسرائيل في الشرق الأوسط "ليست خافية على أعدائنا، وهم يراقبوننا بحذر".وأضاف: "بفضل هذه النشاطات العملياتية والميدانية الذكية، كان العام الماضي الأكثر أمناً في إسرائيل، وسنواصل العمل بقوة وبحكمة وبتصميم ومسؤولية من أجل ضمان أمن إسرائيل".ولفت كوخافي إلى أن جيشه سيجري مايو المقبل تدريباً عسكرياً يمتد على مدار شهر كامل يحاكي حرباً على أكثر من جبهة، ويتم فيه استخدام كل الأسلحة والأفرع.إصرار واتهام
في السياق، ورغم تحذير واشنطن من مأزق، في حال اصرت طهران على رفع كل العقوبات رافضة اقتراحاً أميركياً برفع جزء من العقوبات المرتبطة بالانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي، أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية عباس عراقجي، أمس، إصرار بلاده على عدم وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، مع الاستمرار في استخدام أجهزة الطرد المحرمة، ما لم تتأكد من رفع العقوبات الأميركية عنها أولاً.ورغم مقابلة طهران مرونة بايدن باتجاه إحياء اتفاق 2015 بتصعيد نووي، كشف محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني، أمس، عن مفاوضات أجرتها طهران مع واشنطن بشأن تبادل السجناء بين البلدين، وقال إن الباب لم يقفل من أجل إعادة السجناء الإيرانيين من الولايات المتحدة.على صعيد منفصل، وجه البرلمان اتهامات ضد الرئيس حسن روحاني، في صراع محتدم على السلطة بين المتشددين والمعتدلين في البلاد.ويتهم نواب المجلس، الخاضع لسيطرة التيار المتشدد، الرئيس المعتدل بتجاهل القوانين التي مررها البرلمان.وذكرت وكالة "فارس" أن 190 من الـ 235 مشرعا، الحاضرين، صوتوا لصالح توجيه الاتهامات للرئيس الذي يسعى لحل وسط بشأن إحياء الصفقة النووية في فيينا، مع واشنطن العدو اللدود للمتشددين.ومن جانبه، يتهم روحاني المتشددين في البرلمان بالتضحية بالمصالح الوطنية من أجل صراعات على السلطة، قبل الانتخابات الرئاسية في يونيو المقبل.