بعد الجلسة الأخيرة لمجلس الأمة اعتقد أن الحكومة ستجد صعوبة في تصديق الناس لإصلاحاتها الاقتصادية مستقبلاً، وقد لا تستطيع تنفيذ ما ورد في برنامجها، خاصة المتطلبات التشريعية. إذ كيف يمكن لأي حكومة أن تنفق في جلسة واحدة مبالغ تناهز المليار ونصف المليار دينار (غير واردة في الميزانية) لتحقيق أهداف ذات جرعة سياسية كبيرة وغير مدرجة في برنامجها، ثم عادت بعد أسبوع واحد لتقدم برنامج الحكومة الى المجلس وتشرح فيه عجز الميزانية والاختلالات المالية الخطيرة ولتطلب من المجلس أن يوافق لها على قرض بعشرة مليارات، وأن يوافق أيضاً على ثلاثة أنواع من الضرائب على المواطنين، وتطالب أيضاً بتعديل أو إلغاء القانون 79/95 (الذي أفخر بتقديمه والعمل على إقراره) وهو القانون الذي أوقف رسوم الوزارات كالكهرباء والماء على المواطنين منذ ديسمبر 1994.
لقد قدمت الحكومة برنامجها بعد الجلسة وشرحت فيه الاختلالات الهيكلية والمالية، وتوقعت أن يصل العجز خلال السنوات الخمس القادمة إلى 60 مليار دينار، ولكن أليس لنا أن نسأل كيف ستنفذ برنامجها الصعب وغير الشعبي بعد أن صوتت في تلك الجلسة مع ما هو مناقض له تماماً ومخالف لما ورد فيه؟ كان على الحكومة أن تلتزم بقرارات لجنة التحفيز الاقتصادي برئاسة البنك المركزي في القوانين التي أقرت في تلك الجلسة لا أن تلغي بعض الضوابط منها وتشوهها، وكذلك أن تعمل على تبني الآراء المهمة التي أدلى بها جميع الاقتصاديين الكويتيين، وكان بإمكانها تحقيق الأهداف المرجوة من القوانين التي عرضت في الجلسة السابقة بحكمة وبوسائل اقتصادية ذات كلفة مالية أقل مما أقر في الجلسة، وكان عليها أن تعلن في تلك الجلسة خطوات ملموسة وفعلية من أجل تقليص الإنفاق لا زيادته. وإذا كانت الحكومة جادة في زيادة الإيرادات في عهدها الجديد حسب برنامجها فعليها أن تقتدي بفعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل معاذا الى اليمن (وهو -اليمن- كان قد بدأ لتوه في العهد الجديد للإسلام)، حيث أمره أن يبدأ بتعليمهم الشهادتين والصلاة اليومية ثم يخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم (البخاري)، وهي فريضة الزكاة التي كان على الحكومة أن تبدأ بها على الأثرياء وليس بفرض ثلاثة أنواع من الضرائب أخطرها ضريبة المشتريات على المواطنين مع أن فيهم الفقير والمتوسط الحال. كان أمام الحكومة تحد كبير وهو قدرتها على إقناع الناس بجديتها في وقف ومكافحة الفساد حتى يقتنع الشعب، أما الآن فأصبح أمامها تحد آخر إضافي وهو قدرتها على وقف هدر الأموال والتصدي لاقتراحات شعبوية وسياسية لا يوجد لها أي عائد اقتصادي أو مصلحة حقيقية للشعب. بإمكان الحكومة بدلاً من الضرائب الثلاثة أن تطور قانون الزكاة الذي قدمناه وتم إقراره في مجلس 2006 وذلك بإضافة شرائح جديدة من الأثرياء وزيادة قيمتها الى الحد المطلوب، خاصة أن القانون يجيز للمكلف بأداء هذه الفريضة أن يوجه المبلغ المطلوب منه إلى الزكاة (وهي تغطي مصروفات كثيرة في الميزانية) أو إلى الإيرادات العامة في الميزانية حسب دينه وحجم أمواله. ولكن هل سيقبل الأثرياء بهذه المساهمة من أموالهم بعد أن رأوا كيف صرفت الحكومة الأموال في تلك الجلسة؟ أم أنهم سيعارضون ويستخدمون نفوذهم الكبير لإيقافها والتحول مجدداً الى فرض الضرائب على المواطنين؟ أعتقد أن تصرف الحكومة في جلستها الأخيرة أساء الى جدية ومصداقية الحكومة وأوقع برنامجها في مأزق، وقد لا ينفذ أبداً.
مقالات
هل تمت التضحية بالإصلاح الاقتصادي ولحق بمكافحة الفساد؟
12-04-2021