محكمة التمييز: التقادم «بقيمة» الشيك لا يمنع المطالبة بدعوى الإثراء بلا سبب
أكدت أن الحكم يسري على الساحب إذا رجع عليه الملتزمون بقيمة الشيك
أكدت محكمة التمييز التجارية، برئاسة المستشار خالد المزيني، أن التظلم من أمر الأداء يُعد خصومة جديدة يكون المتظلم فيها في حكم المدعي، وأن محكمة التظلم، فضلاً عن اختصاصها بالفصل في الطلبات الأصلية المعروضة عليها، والتي ترد في صحيفة التظلم، تختص أيضا بالفصل في الطلبات العارضة التي تبدى أثناء نظر التظلم، سواء من المتظلم أو من المتظلم ضده، ويترتب على ذلك أنه يجوز للمتظلم، وهو في حكم المدعي، أن يبدي من الطلبات العارضة - وفقاً للمادتين 84 و85 من قانون المرافعات.وأضافت أن ما جاء في المذكرة الإيضاحية يتضمن تصحيح الطلب الأصلي، أو تعديل موضوعه، لمواجهة ظروف طرأت أو تبينت بعد رفع الدعوى، وما يتضمن إضافة أو تغييرا في سبب الدعوى، مع بقاء الموضوع على حاله، ويكون مكملاً لموضوع الطلب الأصلي، أو مترتبا عليه أو متصلا به اتصالا لا يقبل التجزئة، أو يدخل ضامنا في الدعوى.وأشارت إلى أنه يجوز للمتظلم ضده بدوره أن يبدي طلبات عارضة، أو يدخل ضامنا في الدعوى، ويجوز له أن يعدل طلباته الصادر بها أمر الأداء، بالزيادة كطلب الفوائد، أو بالنقصان بقصرها عمَّا سُدد، ومن ثم فإن خصومة التظلم تمر بمرحلة أولى، هي تلك التي تنظر فيها المحكمة الشروط الشكلية والموضوعية لصدور أمر الأداء، فإذا ما تبيَّن لها صحته قضت برفض التظلم، ولا يبقى شيء من موضوع النزاع عالقا أمامها حتى تمضي في نظره، إلا ما قد يترتب على ذلك القضاء، كطلب الفوائد أو ما لا يتعارض معه، كزيادة الدين أو نقصه بالسداد الجزئي اللاحق لصدور الأمر.
وتابعت: «فإذا ما قضت محكمة التظلم بإلغاء الأمر، لسبب لا يتصل بعريضة استصداره أو استنادا إلى تخلف شرط من الشروط الموضوعية اللازمة لإصداره، كما إذا كان الحق متنازعا فيه أو غير حال الأداء أو غير ثابت بالكتابة، فإن المحكمة لا تقف عند حد الإلغاء، وإنما يتعيَّن عليها المُضي قُدماً في نظر موضوع النزاع -كمرحلة ثانية- لتصدر فيه حكما نهائيا حاسما بين الدائن، الذي يضحى في مركز المدعي، وبين المدين كمدعى عليه، باعتبار أنها المختصة أصلاً بالفصل فيه، ويكون للمحكمة في هذا الصدد السُّلطة التامة في بحث موضوع النزاع، لأن التظلم عندئذ يفتح الباب لخصومة جديدة محلها ليس فقط توافر أو عدم توافر شروط إصدار الأمر، وإنما يمتد إلى بحث كل ما يتعلق بالحق الذي يطالب به الدائن، فإذا تضمن الطلب العارض من المتظلم ضده تغییر سبب الدعوی مستندا إلى سبب جديد للدين، فليس للمحكمة أن تنظر إلى السبب الجديد قبل أن تنتقل إلى تلك المرحلة الثانية، بعد أن تقول كلمتها في أمر الأداء وشروط استصداره».وقالت «التمييز» في حيثيات حكمها، إن النص في المادة 553 من قانون التجارة على أن «لا يحول تقادم دعوی المطالبة بقيمة الشيك دون الحامل ومطالبة الساحب الذي لم يقدم مقابل الوفاء أو قدمه واسترده كله أو بعضه، برد ما أثرى به دون حق، ويسري هذا الحكم على الساحب إذا رجع عليه الملتزمون بوفاء قيمة الشيك»، مفاده أن المشرّع أفصح عن مراده في عبارة واضحة قاطعة للدلالة، على أن تقادم دعوى المطالبة بالشيك، وما ينتج عن ذلك من زوال الرابطة القانونية التي يرتبها بين الساحب الذي لم يقدم مقابل الوفاء به أو قدمه واسترده كليا أو جزئيا، وبين الحامل أو الملتزمين بالوفاء بقيمته يُعد من قبيل الإثراء بلا سبب في جانب ذلك الساحب، ما يخوّل الحامل والملتزمين حق الرجوع عليه بالتعويض عمَّا لحقهم من ضرر في حدود ما أثرى به دون سبب مشروع، تطبيقا للمادة 262 من القانون المدني، التي تنص على «إن كل من يثرى دون سبب مشروع على حساب آخر يلتزم في حدود ما أثرى به بتعويض هذا الشخص الآخر عمَّا لحقه من ضرر، ويبقى هذا الالتزام قائما ولو زال الإثراء بعد حصوله».وأوضحت المحكمة أن السبب المشروع هو المصدر القانوني المكسب للإثراء، فيجعل للمثرى الحق في استيفاء ما أثرى به، وهذا السبب قد يكون عقدا، كما قد يكون حكما من أحكام القانون، وفي الحالتين يكون قيام هذا السبب مانعاً من الرجوع على المثرى بدعوى الإثراء، لأن المثرى يكون قد أثرى بسبب قانوني، فيجب حتى تقوم دعوی الإثراء أن يتجرد الإثراء عن سبب يبرره، ذلك أن الإثراء إذا كان له سبب فلا محل لاسترداده، وللمثرى أن يحتفظ به ما دام أن له سببا يبرر الحصول عليه، وأن بسحب الشيك ينشأ التزام صرفي بموجبه يلتزم الساحب الوفاء بقيمته إلى المستفيد، فإذا ما تقادم الشيك بما يمنع المستفيد من تحصيل قيمته كان له الرجوع بدعوى الإثراء بلا سبب، وكانت دعوى الإثراء بلا سبب لا تستقيم إلا بانعدام السبب المشروع - كما سلف بیانه- ومن ثم فإن حق المستفيد اللجوء إلى دعوى الإثراء بلا سبب لا ينشأ إلا بسقوط الشيك، ولا يكفي لتحقق ذلك أن تمضي مدة تقادمه دون مطالبة، ولكن يلزم أن يتمسك بالتقادم من له الحق فيه، باعتبار أنه ليس من النظام العام، وأن يقضى له بذلك، ومن ثم فلا يجوز الحكم برد ما أثرى به الساحب بغير حق وفقا لنص المادة 553 من قانون التجـارة إلا بعد صدور حُكم نهائي بسقوط حق حامل الشيك في الرجوع عليه بدعوى الصرف.وأضافت المحكمة: «لما كان ذلك، وكان المطعون ضده استند في المطالبة بالدين بطريق أمر الأداء إلى الشيك موضوع الدعوى باعتباره سندا صرفيا دون أن يستند إلى دعوى الإثراء، بما مفاده أنه أقام دعواه ليس على الإثراء بلا سبب، وإنما على سبب الالتزام الصرفي الناشئ عن الشيك كورقة تجارية، وإذ أقام الحكم المطعـون فيه المؤيد لحكم أول درجة قضاءه برفض الدفع بالتقادم الصرفي على سند إلى أن المطعون ضده أسس مطالبته بالدين الثابت بالشيك على قاعدة الإثراء بلا سبب، وأن الطاعن لم يقر صراحة بالوفاء بالدين، وقضي برفض التظلم على سند أن الدين المطالب به ثابت بالكتابة ومعين المقدار وحال الأداء، في حين أنه لم يُلغِ أمر الأداء، حتى يمضي إلى بحث ما كيف به دفاع المطعون ضده - إن صح - من أنه تمسك بالإثراء بلا سبب، كسبب آخر للدين، كما لم يفطن إلى أن بقاء الشيك قائما كسبب قانوني لم يقض بسقوطه يمنع اللجوء إلى دعوى الإثراء، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال، بما يوجب تمييزه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن».