ولما كانت الليلة السادسة والعشرون بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أنه كان بمدينة دمشق قبل خلافة عبدالملك بن مروان، ملك يقال له عمر النعمان، وكان من الجبابرة الكبار، وقد قهر الملوك الأكاسرة، والقياصرة، وكان لا يصطلي له بنار، ولا يجاريه أحد في مضمار، وإذا غضب يخرج من منخريه لهيب النار، وكان قد ملك جميع الأقطار، ونفّذ حكمه في سائر القرى والأمصار، وأطاع له جميع العباد، ووصلت عساكره إلى أقصى البلاد، ودخل في حكمه المشرق والمغرب، وما بينهما من الهند، والسند، والصين، واليمن، والحجاز، والسودان، والشام، والروم، وديار بكر، وجزائر البحار، وما في الأرض من مشاهير الأنهار، مثل سيحون، وجيحون، والنيل والفرات، وأرسل رسله إلى أقصى البلاد، ليأتوا بحقيقة الأخبار، فرجعوا وأخبروه بأن سائر الناس أذعنت لطاعته، وجميع الجبابرة خضعت لهيبته، وقد عمّهم بالفضل والامتنان، وأشاع بينهم العدل والأمان، لأنه كان عظيم الشأن، وحملت إليه الهدايا من الكل، فكان يأتي إليه خراج الأرض في طولها وعرضها.
شركان قاهر الشجعان
وكان له ولد، وقد سمّاه شركان، قهر الشجعان، وأباد الأقران، فأحبه والده حباً شديداً، وأوصى له بالملك من بعده، ثم إن شركان هذا حين بلغ مبلَغ الرجال، وصار له من العمر عشرون سنة، أطاع له جميع العباد لما به من شدة البأس والعناد، وكان والده عمر النعمان له أربع نساء، لكنه لم يرزق منهن بغير شركان، وهو من إحداهن، والباقيات عواقر لم يرزق من واحدة منهن بولد.ثم إن ولده شركان اشتهر في سائر الأنحاء ففرح به والده، وازداد قوّة فطغى وتجبر، وفتح الحصون والبلاد، واتفق بالأمر المقدر أن جارية من جواري النعمان قد حملت، واشتهر حملها، وعلم الملك بذلك ففرح فرحاً شديداً، وقال:" لعل ذريتي ونسلي تكون كلها ذكوراً، فأرّخ يوم حملها، وصار يحسن إليها، فعلم شركان بذلك فاغتم، وعظم الأمر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح".نزهة الزمان
وفي الليلة السابعة والعشرين بعد الستمئة، قالت:" لما علم شركان أن جارية أبيه قد حملت، اغتم وعظُم عليه ذلك، وقال: قد جاءني من ينازعني في المملكة، فأضمر في نفسه أن هذه الجارية: إن ولدت ذكرا أقتله، وكتم ذلك في نفسه، هذا ما كان من أمر شركان. وأما ما كان من أمر الجارية، فإنها كانت رومية، وكان قد بعثها إليه هدية ملك الروم، وكان اسمها صفية، وكانت أحسن الجواري، وأجملهن وجهاً، وكانت ذات عقل وافر، وجمال باهر، وكانت تدعو الله أن يرزقها بولد صالح، ويسهل عليها ولادته، وكان الملك قد وكل بها خادماً يخبره بما تضعه، هل هو ذكر أو أنثى؟، وكذلك ولده شركان كان أرسل من يعرفه بذلك، فلما وضعت صفية ذلك المولود تأملته القوابل، فوجدنه بنتاً بوجه أبهى من القمر، فأعلمن الحاضرين بذلك، فرجع رسول الملك وأخبره بذلك، وأسماها نزهة الزمان، وكذلك رسول شركان أخبره بذلك، ففرح فرحاً شديداً وانصرف.ضوء المكان
فلما انصرف الخدام، قالت صفية للقوابل: امهلوا عليّ ساعة فإني أحس بأن أحشائي فيها شيء آخر، ثم تأوهت وجاءها الطلق ثانياً، فوضعت مولوداً ثانياً، فنظرت إليه القوابل فوجدنه ذكراً يشبه البدر، بجبين أزهر، وخد مورّد أحمر، ففرحت به الجارية والخدام والحشم، وكل من حضر، ورمت صفية الخلاص، وقد أطلقوا الزغاريد في القصر، فسمع بقية الجواري بذلك فحسدنها، وبلغ عمر النعمان الخبر ففرح، واستبشر وقام ودخل عليها، ونظر إلى المولود، ثم انحنى وقبله، وضربت الجواري بالدفوف، ولعبت بالآلات، وأمر الملك أن يسموا المولود ضوء المكان، فامتثلوا أمره وأجابوه بالسمع والطاعة، ورتّب لهم من يخدمهم من المراضع، والخدم والحشم، ورتب لهم الرواتب من المأكل والمشرب والأدهان، وغير ذلك مما يكلّ عن وصفه اللسان، وسمع أهل دمشق، وأقبل الأمراء والوزراء وأرباب الدولة، وهنأوا الملك عمر النعمان بولده ضوء المكان، وبنته نزهة الزمان، فشكرهم الملك على ذلك، وخلع عليهم، وزاد إكرامهم من الأنعام، وأحسن إلى الحاضرين من الخاص والعام، وما زال على تلك الحالة إلى أن مضت أربعة أعوام، وكل هذا وابن الملك شركان لا يعلم أن والده عمر النعمان رزق ولداً ذكراً، ولم يعلم سوى بنزهة الزمان، وأخفوا عليه خبر ضوء المكان، إلى أن مضت أيام وأعوام، وهو مشغول بمقارعة الشجعان ومبارزة الفرسان.وفود ملك القسطنطينية
فبينما عمر النعمان جالس يوماً من الأيام، إذ دخل عليه الحجّاب، وقبّلوا الأرض بين يديه، وقالوا: أيها الملك قد وصلت إلينا رسل من أرض الروم من ملك القسطنطينية العظمى أفريدون، وإنهم يريدون الدخول عليك، والتمثل بين يديك، فإن أذن لهم الملك بذلك ندخلهم، وإلا فلا مردّ لأمره، فعند ذلك أمر لهم بالدخول، فلما دخلوا عليه مال إليهم، وأقبل عليهم وسألهم عن حالهم، وعن سبب إقبالهم، فقبّلوا الأرض بين يديه وقالوا: أيها الملك الجليل، صاحب الباع الطويل، اعلم أن الذي أرسلنا إليك الملك أفريدون، صاحب البلاد اليونانية، والعسكر المقيم بمملكة القسطنطينية، يعلمك أنه اليوم في حرب شديد، مع جبار عنيد، هو الملك قيسارية ملك الروم، والسبب في ذلك أن بعض ملوك العرب وجد في بعض الفتوحات كنزاً من قديم الزمان في عهد الإسكندر، فنقل منه أموالاً لا تعد ولا تحصى، ومن جملة ما وجد فيه ثلاث خرزات مدورات على قدر بيض النعام، وتلك الخرزات من أغلى الجواهر الأبيض الخالص، الذي لا يوجد له نظير، وكل خرزة منقوش عليها بالقلم اليوناني أمور من الأسرار، ولهنّ منافع وخواص كثيرة، ومن خواصهن أن كل مولود علّقت عليه خرزة منهن، لم يصبه ألم، ما دامت الخرزة معلّقة عليه، ولا يحمي ولا يسخن.حيلة أفريدون
وقال الرسل للملك النعمان، إن الملك أفريدون كان قد أرسل هدية من التحف والمال، ومن جملتها الخرزات الثلاث، وجهز مركبين: واحد فيه مال، والآخر فيه رجال يحفظون تلك الهدايا ممن يتعرّض لها في البحر، وكان يعرف من نفسه أنه لا أحد يقدر أن يتعدّى عليها لكونها مرسلة إلى ملك العرب، ولا سيما وطريق المراكب التي فيها الهدايا في البحر، والذي في مراكبه مملكة القسطنطينية وهي متوجهة عليه، ليس في سواحل ذلك البحر إلا رعاياه، فلمّا جهز المركبين سافر إلى أن قربا من بلادنا، فخرج عليهما بعض قطاع الطرق من تلك الأرض، وفيهم عساكر من عند ملك قيسارية حردوب، فأخذوا جميع ما في المركبين من التحف والأموال والذخائر والخرزات الثلاث، وقتلوا الرجال، فبلغ ذلك ملكنا، فأرسل إليهم عسكراً فهزموه، فأرسل إليهم عسكراً أقوى من الأول فهزموه أيضاً.فعنذ ذلك اغتاظ الملك أفريدون، وأقسم بأنه يخرج إليهم بنفسه في جميع عسكره، وأنه لا يرجع عنهم حتى يخرب قيسارية، والمراد من صاحب القوة والسلطان الملك عمر النعمان أن يمدنا بعسكر من عنده، وقد أرسل إليك ملكنا معنا شيئاً من أنواع الهدايا، ويرجو من إنعامك قبولها، والتفضل عليه بالإنجاز، ثم إن الرسل قبّلوا الأرض بين يدي الملك عمر النعمان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.هدايا ثمينة
وفي الليلة الثامنة والعشرين بعد الستمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن رسل ملك القسطنطينية قبّلوا الأرض بين يدي الملك عمر النعمان بعد أن حكوا له، ثم أعلموه بالهدية، وكانت الهدية خمسين جارية من خواص بلاد الروم، وخمسين مملوكاً عليهم أقبية من الديباج بمناطق من الذهب والفضة، وكل مملوك في أذنه حلقة من الذهب، فيها لؤلؤة تساوي ألف مثقال من الذهب، والجواري كذلك، وعليهم من القماش ما يساوي مالاً جزيلاً، فلما رآهم الملك قبّلهم وفرح بهم، وأمر بإكرام الرسل، وعاد الرسل بعد أن تيقنوا أن الحيلة انطلت على الملك عمر النعمان، وأقبل الملك على وزرائه يشاورهم فيما يفعل.وصية دندان
فنهض من بينهم وزير، وكان شيخاً كبيراً يقال له دندان، وقال: أيها الملك أرسل لهم جيشاً جراراً، واجعل قائدهم ولدك شركان، ونحن بين يديه غلمان، هذا الرأي أحسن لوجهين: الأول أن ملك القسطنطينية قد استجار بك، وأرسل إليك هدية فقبلتها، والوجه الثاني: أن العدو لا يجسر على بلادنا، فإذا منع عسكرك عن ملك الروم وهزم عدوه ينسب هذا الأمر إليك، ويشيع ذلك في سائر الأقطار والبلاد، ولا سيما إذا وصل الخبر إلى جزائر البحر، وسمع بذلك أهل المغرب فإنهم يحملون إليك الهدايا والتحف والأموال، فلما سمع الملك هذا الكلام من وزيره دندان أعجبه واستصوبه، وخلع عليه، وقال له: مثلك من تستشيره الملوك، ينبغي أن تكون أنت في مقدم العسكر، وولدي شركان في ساقة العسكر، ثم إن الملك أمر بإحضار ولده، فلما حضر قص عليه القصة، وأخبره بما قاله الرسل، وبما قاله الوزير دندان، وأوصاه بأخذ الأهبة والتجهيز للسفر، وأنه لا يخالف الوزير دندان، فيما يشور به عليه، وأمره أن ينتخب من عسكره 10 آلاف فارس كاملين العدة صابرين على الشدة.شركان يقبل المهمة
فامتثل شركان لما قاله والده عمر النعمان، وقام في الوقت واختار من عسكره عشرة آلاف فارس، ثم دخل قصره وأخرج مالاً جزيلاً، وأنفق عليهم المال، وقال لهم: قد أمهلتكم ثلاثة أيام، فقبّلوا الأرض بين يديه، مطيعين لأمره، ثم خرجوا من عنده، وأخذوا من الأهبة وإصلاح الشأن، ثم إن شركان دخل خزائن السلاح وأخذ ما يحتاج إليه من العدد والسلاح، ودخل الاسطبل واختار منه الخيل المسالمة، وأخذ غير ذلك، وبعد ذلك أقاموا ثلاثة أيام، ثم خرجت العساكر إلى ظاهر المدينة، وخرج الملك عمر النعمان لوداع ولده شركان، وأهدى له سبع خزائن من المال، وأقبل على الوزير دندان، وأوصاه بعسكر ولده شركان، وأجابه بالسمع والطاعة، وأقبل الملك على ولده شركان، وأوصاه بمشاورة الوزير دندان في سائر الأمور، فقبل ذلك، ورجع والده إلى أن دخل المدينة، ثم إن شركان أمر كبار العسكر بعرضهم عليه، وكانت عدتهم عشرة آلاف فارس غير ما يتبعهم، ثم إن القوم حملوا ودقّت الطبول، وصاح النفير، وانتشرت الأعلام تخفق على رؤوسهم، ولم يزالوا سائرين والرسل تقدمهم إلى أن ولّى النهار وأقبل الليل، فنزلوا واستراحوا وباتوا تلك الليلة.وادي الدير
فلما أصبح الصباح ركبوا وساروا، والرسل يدلونهم على الطريق مدة 20 يوماً، ثم أشرفوا في اليوم الحادي والعشرين على واد واسع الجهات، كثير الأشجار والنبات، وكان وصولهم إلى ذات الوادي ليلاً، فأمرهم شركان بالنزول والإقامة فيه ثلاثة أيام، فنزل العساكر وضربوا الخيام، وافترق العسكر يميناً وشمالاً، ونزل الوزير دندان، وصحبته رسل أفريدون، صاحب القسطنطينية، في وسط ذلك الوادي، أما الملك شركان فإنه كان في وقت وصول العسكر، وقف بعدهم ساعة حتى نزلوا جميعهم وتفرّقوا في جوانب الوادي، ثم إنه أرخى عنان جواده وأراد أن يكشف ذلك الوادي، ويتولى الحرس بنفسه لأجل وصية والده إياه، فإنهم في أول بلاد الروم وأرض العدو، فسار وحده بعد أن أمر مماليكه وخواصه بالنزول عند الوزير دندان، ثم إنه لم يزل سائراً على ظهر جواده في جوانب الوادي، إلى أن مضى من الليل ربعه، فتعب وغلب عليه النوم، فصار لا يقدر أن يركض الجواد، وكان له عادة أنه ينام على ظهر جواده، فلما هجم عليه النوم نام، ولم يزل الجواد سائراً به إلى نصف الليل.جميلة الوادي
فدخل به في بعض الغابات، وكانت تلك الغابة كثيرة الأشجار، فلم ينتبه شركان حتى دق الجواد بحافره في الأرض، فاستيقظ فوجد نفسه بين الأشجار، وقد طلع عليه القمر وأضاء في الخافقين، فاندهش شركان لما رأى نفسه في ذلك المكان، وقال كلمة لا يخجل قائلها وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فبينما هو كذلك خائف من الوحوش، متحير لا يدري أين يتوجه، فلما رأى القمر أشرف على مرج، كأنه من مروج الجنة، سمع كلاماً مليحاً، وصوتاً علياً، وضحكاً يسبي عقول الرجال، فنزل الملك شركان عن جواده في الأسحار، ومشى حتى أشرف على نهر، فرأى فيه الماء يجري، وسمع كلام امرأة تتكلم بالعربية، وشركان يمشي إلى جهة الصوت حتى انتهى إلى طرف المكان، ثم نظر فإذا بنهر مسرح، وطيور تمرح، وغزلان تسنح، ووحوش ترتع، والطيور بلغاتها لمعاني الحظ تنشرح، وذلك المكان مزركش بأنواع النبات، فقال:ما تحسن الأرض إلا عند زهرتـهـاوالماء من فوقها يجري بـإرسـالصنع الإله العظيم الشأن مـقـتـدرامعطي العطايا ومعطي كل فضّالفنظر شركان إلى ذلك المكان فرأى فيه ديراً، ومن داخل الدير قلعة شاهقة في الهواء في ضوء القمر، وفي وسطها نهر يجري الماء منه إلى تلك الرياض، وهناك امرأة بين يديها عشر جوار كأنهن الأقمار، وعليهن من أنواع الحليّ والحلل ما يدهش الأبصار، وكلهن أبكار بديعات. كما قيل فيهن هذه الأبيات:يشرق المرج بما فيهمن البيض العـوالزاد حسناً وجـمـالاًمن بديعات الخلالكل هيفاء قـوامـاذات غـنـج ودلالراخيات الشـعـوركعناقيد الـدوالـيفاتـنـات بـعـيونراميات بالـنـبـالمائسـات قـاتـلاتلصناديد الـرجـالفنظر شركان إلى هؤلاء الجواري العشر، فوجد بينهن جارية كأنها البدر عند تمامه، فأنشد:تزهو علي بألحـاظ بـديعـات وقدها مخجل للسـمـهـرياتتبدو إلينـا وخـدّاهـا مـوردة فيها من الظرف أنواع الملاحاتكأن طرّتها في نور طلعتـهـا ليل يلوح على صبح المسراتفروسية الجارية
فسمعها شركان وهي تقول للجواري: تقدموا حتى أصارعكم قبل أن يغيب القمر ويأتي الصباح، فصارت كل واحدة منهن تتقدم إليها، فتصرعها في الحال، وتكتفها بزنارها، فلم تزل تصارعهن وتصرعهن حتى صرعت الجميع، ثم التفتت إليها جارية عجوز كانت بين يديها، تدعى أم الدواهي، وقالت لها وهي كالمغضبة عليها: أتفرحين بصرعك للجواري؟! فها أنا عجوز! وقد صرعتهن أربعين مرة، فكيف تعجبين بنفسك؟ ولكن: إن كان لك قوة على مصارعتي فصارعيني، فإن أردت ذلك وقمت لمصارعتي أقوم لك، وأجعل رأسك بين رجليك، فتبسمت الجارية ظاهراً، وقد امتلأت غيظاً منها باطنا، وقامت إليها وقالت لها: يا سيدتي ذات الدواهي أتصارعينني حقيقة أو تمزحين معي؟ قالت لها: بل أصارعك حقيقة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.مصارعة ذات الدواهي
وفي الليلة التاسعة والعشرين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما قالت لها: أصارعك حقيقة قالت لها: قومي للصراع إن كان لك قوة، فلما سمعت العجوز منها اغتاظت غيظاً شديداً، وقام شعر بدنها كأنه شعر قنفذ، ثم إن العجوز أخذت منديل حرير وشدته في وسطها، فصارت كأنها حية رقطاء، ثم انحنت على الجارية، وقالت لها: افعلي كفعلي هذا، وشركان ينظر إليهما، ثم إن شركان صار يتأمل في تشويه صورة العجوز، ويضحك، ثم إن العجوز لما فعلت ذلك قامت الجارية على مهل، وأخذت فوطة يمانية وثنتها مرتين، ثم انحنت عليها العجوز وتماسكا ببعضهما، فرفع شركان رأسه إلى السماء، ودعا الله أن الجارية تغلب العجوز، فدخلت الجارية تحت العجوز، ووضعت يدها الشمال في شفتها، ويدها اليمين في رقبتها مع حلقها ورفعتها على يديها، فانفلتت العجوز من يديها، وأرادت الخلاص فوقعت على ظهرها، فضحك شركان منهما حتى وقع على الأرض، ثم قام وسلّ حسامه، والتفت يميناً وشمالاً، فلم ير أحداً غير العجوز مرمية على ظهرها، فقال في نفسه: ما كذب من سماك ذات الدواهي، ثم تقرّب منهما ليسمع ما يجري بينهما.