قالت شهرزاد، إن شركان يحدث نفسه: كل ماحدث لي بسبب غلبة النوم، وما سار بي الجواد إلى هذا المكان إلا لحسن حظي، فلعل هذه الجارية وما معها يكون غنيمة لي، ثم ركب جواده ولكزه ففر به كالسهم إذ انطلق من القوس، وبيده حسامه مجرداً من غمده، ثم صاح: الله أكبر، فلما رأته الجارية نهضت قائمة، وقالت: إذهب إلى أصحابك قبل الصباح لئلا يأتيك البطارقة، فيأخذونك على أسنة الرماح، وأنت ما فيك قوة لدفع النسوان، فكيف تدفع الرجال الفرسان، وقد ولت عنه معرضة لقصد الدير، فتحير شركان في نفسه، وقال لها: يا سيدتي أتذهبين، وتتركين المتيم الغريب المسكين الكسير القلب؟ فالتفتت إليه وهي تضحك، ثم قالت له: ما حاجتك فإني أجيب دعوتك؟ فقال: كيف أطأ أرضك، وأتحلى بحلاوة لطفك، وأرجع بلا أكل من طعامك، وقد صرت من بعض خدامك؟ فقالت: لا يأبى الكرامة إلا لئيم تفضل، إركب جوادك، وسر على جانب النهر مقابلي، فأنت في ضيافتي.
الجارية تستضيف شركان
وقالت شهرزاد: ففرح شركان، وبادر إلى جواده وركب وما زال ماشياً مقابلها إلى أن وصل إلى جسر معمول بأخشاب من الجوز، وفيه بكر بسلاسل من البولاد، وعليها أقفال في كلاليب، فنظر شركان إلى ذلك الجسر، وإذا بالجواري اللاتي كن معها في المصارعة قائمات ينظرن إليها، فلما أقبلت عليهن كلمت جارية منهن بلسان الرومية، وقالت لها: قومي عليه وأمسكي عنان جواده، ثم سيري به إلى الدير، فسار شركان وهي قدامه إلى أن عدى الجسر، وقد اندهش عقله مما رأى، وقال في نفسه: يا ليت الوزير دندان كان معي في هذا المكان، وتنظر عيناه إلى تلك الجواري الحسان، ثم التفت إلى تلك الجارية، وقال لها يا بديعة الجمال قد صار لي عليك الآن، حرمتان: حرمة الصحبة، وحرمة سيري إلى منزلك وقبول ضيافتك، وقد صرت تحت حكمك وفي عهدك، فلو أنك تنعمين علي بالمسير إلى بلاد الإسلام، وتتفرجين على كل أسد ضرغام، وتعرفين من أنا، فلما سمعت كلامه اغتاظت منه، وقالت له: لقد كنت عندي ذا عقل ورأي، ولكني أطلعت الآن على ما في قلبك من الفساد، وكيف يجوز لك أن تتكلم بكلمة تنسب بها إلى الخداع، كيف أصنع هذا؟ وأنا أعلم متى حصلت عند ملككم عمر النعمان، لا أخلص منه لأنه ما في قصوره مثلي.
ظنون شركان
وأما قولك: تعرفين من أنا! فأنا لا أصنع معك جميلاً، وإنما أفعل ذلك لأجل الفخر، ومثلك ما يقول لمثلي ذلك، ولو كنت شركان بن الملك عمر النعمان: الذي ظهر في هذا المكان، فقال شركان في نفسه: لعلها عرفت قدوم العسكر، وعرفت عدتهم وأنهم عشرة آلاف فارس، وعرفت أن والدي أرسلهم معي لنصرة ملك القسطنطينية، ثم قال شركان: يا سيدتي أقسمت عليك أن تحدثيني بسبب ذلك حتى يظهر لي الصدق من الكذب، ومن يكون عليه وبال ذلك، فقالت له: لولا أني خفت أن يشيع خبري أني من بنات الروم، لكنت خاطرت بنفسي وبارزت العشرة آلاف فارس، وقتلت مقدمهم الوزير دندان، وظفرت بفارسهم شركان، وما كان علي من ذلك عار، ولكني قرأت الكتب وتعلمت الأدب من كلام العرب، ولست أصف لك نفسي بالشجاعة، مع أنك رأيت مني العلامة والصناعة، والقوة في الصراع والبراعة، ولو حضر شركان مكانك في هذه الليلة لأجعله في الأغلال. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.شركان ينشد الشعر
وفي الليلة الثلاثين بعد الستمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما قالت هذا الكلام لشركان وهو يسمعه أخذته النخوة والحمية وغيره الأبطال، وأراد أن يظهر لها نفسه ويبطش بها، ولكن رده عنها فرط جمالها وبديع حسنها فأنشد هذا البيت:وإذا المليح أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيعثم صعدت وهو في أثرها، وأنشد هذه الأبيات:في وجهها شافع يمحو إساءتهـا من القلوب وجيه حيثما شفعـاإذا تأملتها ناديت مـن عـجـب البدر في ليلة الإكمال قد طلعـالو أن عفريت بلقيس يصارعهـا من فرط قوته في ساعة صرعاقناطر الرخام
ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى باب مقنطر، وكانت قنطرته من رخام، ففتحت الجارية الباب ودخلت ومعها شركان، وسارا إلى دهليز طويل مقبى على عشر قناطر معقودة، وعلى كل قنطرة قنديل من البللور يشتعل كاشتعال الشمس، فلقيها الجواري في آخر الدهليز بالشموع المطيبة، وعلى رؤوسهن العصائب المزركشة بالفصوص من أصناف الجواهر، وسارت وهن أمامها، وشركان وراءها إلى أن وصلوا إلى الدير، فوجد بداخل ذلك الدير آسرة مقابلة لبعضها، وعليها ستور مكللة بالذهب، وأرض الدير مفروشة بأنواع الرخام المجزع، وفي وسطه بركة ماء عليها أربع وعشرين قارورة من الذهب، والماء يخرج منها كاللجين، ورأى في الصدر سريراً مفروشاً بالحرير الملوكي، فقالت له الجارية: إصعد يا مولاي على هذا السرير، فصعد شركان فوق السرير، وذهبت الجارية وغابت عنه، فسأل عنها بعض الخدام فقالوا له: إنها ذهبت إلى مرقدها، ونحن نخدمك كما أمرت، ثم إنهن قدمن إليه من غرائب الألوان فأكل حتى اكتفى، ثم بعد ذلك قدمن إليه طشتاً وإبريقاً من الذهب فغسل يديه، وخاطره مشغول بعسكره لأنه لا يعلم ما جرى لهم بعد، وتذكر أيضاً كيف نسي وصية أبيه؟ فصار متحيراً في أمره، نادماً على ما فعل إلى أن طلع الفجر وبان النهار، وهو يتحسر على ما فعل، وصار مستغرقاً في الفكر.زنار المحبة
وعقب ذلك، أقبلت الجارية فنظر إليها فإذا هو بأكثر من عشرين جارية كالأقمار حول تلك الجارية، وهي بينهن كالبدر بين الكواكب، وعليها ديباج ملوكي، وفي وسطها زنار مرصع بأنواع الجواهر، فلما نظر شركان ذلك كاد عقله أن يطير من الفرح، ونسي عسكره ووزيره، وتأمل رأسها فرأى عليها شبكة من اللؤلؤ مفصلة بأنواع الجواهر، والجواري عن يمينها ويسارها يرفعن أذيالها، وهي تتمايل عجباً، فعند ذلك وثب شركان قائماً على قدميه من هيبة حسنها وجمالها فصاح: واحسرتاه من هذا الزنار، وأنشد هذه الأبيات: تكتمت ما عندها من جوى ولست أكتم الذي عنـديخدامها يمشين من خلفهـا كالقبل في حل وفي عقدحقيقة شركان
ثم إن الجارية جعلت تنظر إليه طويلاً، وتكرر فيه النظر إلى أن تحققته وعرفته، فقالت له بعد أن أقبلت عليه: قد أشرق بك المكان يا شركان، كيف كانت ليلتك يا همام بعدما مضينا وتركناك؟ ثم قالت له: إن الكذب عند الملوك منقصة وعار، ولا سيما عند أكابر الملوك، وأنت شركان بن عمر النعمان. فلا تنكر نفسك وحسبك، ولا تكتم أمرك عني، ولا تسمعني بعد ذلك غير الصدق، إن الكذب يورث البغض والعداوة، فقد نفذ فيك سهم القضا، فعليك بالتسليم والرضا، فلما سمع كلامها لم يمكنه الإنكار، فأخبرها بالصدق وقال لها: أنا شركان بن عمر النعمان الذي عذبني الزمان، وأوقعني في هذا المكان، فمهما شئت فافعليه الآن، فأطرقت برأسها إلى الأرض برهة، ثم التفتت إليه، وقالت له: طب نفساً وقر عيناً فإنك ضيفي، فأنت في ذمتي وفي عهدي، فكن آمناً، لو أراد أهل الأرض أن يؤذوك لما وصلوا إليك إلا إن خرجت روحي من أجلك، ولو كان خاطري في قتلك لقتلتك في هذا الوقت، ثم تقدمت إلى المائدة وأكلت من كل لون لقمة، فعند ذلك أكل شركان ففرحت الجارية، وأكلت معه إلى أن اكتفيا، وبعد أن غسلا أيديهما، فقالت له: أنظر كيف أنت في ألذ عيش ومسرة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.الرومية تغني بالعربية
وفي الليلة الواحدة والثلاثين بعد الستمئة، قالت: بلغني أيها الملك السعيد، إن الجارية قالت: يا مرجانة هات لنا شيئاً من آلات الطرب، فقالت: سمعاً وطاعة، ثم غابت لحظة، وغنت بصوت رخيم أرق من النسيم، وأعذب من ماء التسنيم، وأنشدت مطربة بهذه الأبيات:عفا الله عن عينيك كم سفكت دما وكم فوقت نحو الجوانح أسهماأكل جيب حاز رق مُحبِّه حرام علـيه أن يرق ويرحـمـاثم قامت واحدة من الجواري ومعها آلتها، وأنشدت تقول عليها أبيات بلسان الرومية فطرب شركان، ثم غنت الجارية سيدتهن أيضاً وقالت: يا شركان أما فهمت ما أقول؟ قال: لا! ولكن ما طربت إلا على حسن أناملك، فضحكت وقالت له: إن غنيت لك بالعربية ماذا تصنع؟ فقال: ما كنت أتمالك عقلي، فأخذت آلة الطرب وغيرت الضرب وأنشدت هذه الأبيات:طعم التفريق مـر فهل لذلك صـبـرأهوى ظريفاً سباني بالحسن والهجر مرإقبال وإدبار
فلما فرغت من شعرها نظرت إلى شركان فوجدته قد غاب عن وجوده، ولم يزل مطروحاً بينهن ممدوداً إلى أن ولى النهار بالرواح، ونشر الليل الجناح، فقامت إلى مرقدها، فسأل شركان عنها؟ فقالوا له: إنها مضت إلى مرقدها، فقال: في رعاية الله وحفظه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.زفة الجواري
وفي الليلة الثانية والثلاثين بعد الستمئة، قالت: فلما أصبح أقبلت عليه الجارية، وقالت له: إن سيدتي تدعوك إليها فقام معها وسار خلفها، فلما قرب من مكانها زفته الجواري بالدفوف والمغاني، إلى أن وصل إلى باب كبير من العاج مرصع بالدر والجوهر، فلما دخلوا منه وجد داراً كبيرة أيضاً، وفي صدرها إيوان كبير مفروش بأنواع الحرير، وبدائر ذلك شبابيك مفتحة مطلة على أشجار وأنهار، وفي البيت صور مجسمة يدخل فيها الهواء فتتحرك في جوفها آلات فيتخيل للناظر أنها تتكلم، والجارية جالسة تنظر إليهم، فلما نظرته الجارية نهضت قائمة عليه، وأخذت يده وأجلسته بجانبها، وسألته عن مبيته، فدعا لها. ثم جلسا يتحدثان، فقالت له: أتعرف شيئاً مما يتعلق بالعاشقين والمتيمين؟ فقال: نعم أعرف شيئاً من الأشعار، فقالت أسمعني فأنشد هذه الأبيات:لا... لا أبوح بحب عزة إنهـا أخذت علي مواثقاً وعهـودارهبان مدين والذين عهدتهـم يبكون من حذر العذاب قعودافلما سمعته قالت: لقد كان باهراً كثيراً في الفصاحة، بارع البلاغة، لأنه بالغ في وصفه لعزة حيث قال، وأنشدت هذين البيتين:لو أن عزة حاكمت شمس الضحى في الحسن عند موفق لقضي لهاوسعت إلي بغيب عـزة نـسـوة جعل الإله خدودهن نعـالـهـاثم قالت: وقيل إن عزة كانت في غاية الحسن والجمال، ثم قالت له: يا ابن الملك إن كنت تعرف شيئاً من كلام جميل فأنشدنا منه، ثم قال: إني أعرف به، ثم أنشد من شعر جميل هذا البيت:تريدين قتلي لا تريدين غـيره ولست أرى قصداً سواك أريدفلما سمعت ذلك قالت له: أحسنت يا ابن الملك، ما الذي أرادته عزة بجميل حتى قال هذا الشطر؟ أي: تريدين قتلي لا تريدين غيره، فقال لها شركان: يا سيدتي لقد أرادت به ما تريدين مني، ولا يرضيك، فضحكت لما قال لها شركان هذا الكلام، فقامت الجارية وذهبت إلى مرقدها ونامت، ونام شركان في مرقده إلى أن أصبح الصبح.دفوف وأغاني
فلما أفاق أقبلت عليه الجواري بالدفوف وآلات الطرب كالعادة ، ومشت الجواري حوله يضربن بالدفوف، والآلات إلى أن خرج من تلك الدار، ودخل داراً غيره أعظم من الأولى، وفيها من التماثيل وصور الوحوش ما لا يوصف، فتعجب شركان مما رأى من صنع ذلك المكان فأنشد هذه الأبيات:أجني رقيبي من ثمار قلائد در النحور منضداً بالعسجدوعيون ماء من سبائك فـضة وخدود ورد في وجوه زبرجدفكأنما لون البنفسج قد حكـى زرق العيون وكحلت بالإثمدفلما رأت الجارية شركان قامت له وأخذت يده، وأجلسته إلى جانبها، وقالت له: أنت ابن الملك عمر النعمان فهل تحسن لعب الشطرنج؟ فقال: نعم، ولكن لا تكوني كما قال الشاعر:أقول والوجد يكويني وينـشـرنـي ونهلة من رضاب الحب تروينـيحضرت شطرنج من أهوى فلاعبني بالبيض والسود ولكن ليس يرضينيكأنما الشاة عند الرخ مـوضـعـه وقد تفقـد دسـتـا بـالـفـرازينفإن نظرت إلى معنى لواحظـهـا فإن ألحاظهـا يا قـوم تـردينـيثم قدم الشطرنج، ولعبت معه فصار شركان كلما أراد أن ينظر إلى نقلها نظر إلى وجهها، فيضع الفرس موضع الفيل، ويضع الفيل موضع الفرس، فضحكت وقالت: إن كان لعبك هكذا فأنت لا تعرف شيئاً، فقال: هذا أول دست لا تحسبيه، فلما غلبته رجع وصف القطع، ولعب معها فغلبته ثانياً، وثالثاً، ورابعاً، وخامساً، ثم التفتت إليه وقالت له: أنت في كل شيء مغلوب، فقال: يا سيدتي مع مثلك يحسن أن أكون مغلوباً، ثم أمرت بإحضار الطعام فأكلا، وغسلا أيديهما، وبعد ذلك أخذت القانون، وكان لها بضرب القانون معرفة جيدة فأنشدت هذه الأبيات:الدهر ما بين مطوي ومبسـوط ومثله مثل مجرور ومخـروطفاضرب على حسنه إن كنت مقتـدراً أن لا تفارقني في وجه التفريطثم إنهما لم يزالا على ذلك إلى أن أقبل الليل، فكان ذلك اليوم أحسن من اليوم الذي قبله، فلما أقبل الليل مضت الجارية إلى مرقدها، وانصرف شركان إلى موضعه فنام إلى الصباح، ثم أقبلت عليه الجواري بالدفوف، وآلات الطرب، وأخذوه كالعادة إلى أن وصلوا إلى الجارية، فلما رأته نهضت قائمة، وأمسكته من يده وأجلسته بجانبها وسألته عن مبيته، فدعا لها بطول البقاء، ثم أخذت العود، وأنشدت هذين البيتين:لا تركنن إلى الفراق فإنه مـر الـمـذاقالشمس عند غروبهـا تصفر من ألم الفراقالبطارقة في منزل إبريزة
فبينما هما على هذه الحالة، وإذا هما بضجة، فالتفتا فرأيا رجالاً وشباناً مقبلين، وغالبهم بطارقة بأيديهم السيوف مسلولة تلمع، وهم يقولون بلسان رومية: وقعت عندنا يا شركان، فأيقن الهلاك، ولما سمع شركان هذا الكلام قال في نفسه: لعل هذه الجارية الجميلة خدعتني وأمهلتني إلى أن جاء رجالها وهم البطارقة الذين خوفتني بهم، ولكن أنا الذي جنيت على نفسي وألقيتها في الهلاك، ثم التفت إلى الجارية ليعاتبها، فوجد وجهها قد تغير بالاصفرار، ثم وثبت على قدميها وهي تقول لهم: من أنتم؟ فقال لها البطريق المقدم عليهم: أيتها الملكة الكريمة والدرة اليتيمة أما تعرفين الذي عندك من هو؟ قالت له: لا أعرفه فمن هو؟ فقال لها: هذا شركان بن الملك عمر النعمان، هذا الذي فتح القلاع، وملك كل حصن منيع، وقد وصل خبره إلى الملك والدك من العجوز ذات الدواهي، وتحقق ذلك ملكنا نقلاً عن العجوز، وها أنت قد نصرت عسكر الروم بأخذ هذا الأسود المشؤوم.وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.دفاع الجارية
قالت شهرزاد: لما سمعت الجارية كلام البطريق نظرت إليه وقالت له: ما اسمك؟ قال لها: اسمي ماسورة بن عبدك موسورة بن كاشردة بطريق البطارقة، قالت له: كيف دخلت علي بغير إذني؟ فقال لها: يا مولاتي إني لماوصلت إلى الباب ما منعني حاجب ولا بواب، بل قام جميع البوابين ومشوا بين أيدينا كما جرت به العادة، إنه إذا جاء غيرنا يتركونه واقفاً على الباب حتى يستأذنوا عليه الدخول، وليس هذا وقت إطالة الكلام، والملك منتظر رجوعنا إليه بشركان بن الملك عمر النعمان، لأجل أن يقتله، ويرحل عسكره إلى الموضع الذي جاءوا منه من غير أن يحصل لنا تعب في قتالهم.فلما سمعت الجارية هذا الكلام قالت له: إن هذا الكلام غير حسن، ولكن قد كذبت العجوز ذات الدواهي ظنها، قد تكلمت بكلام باطل لا تعلم حقيقته، الذي عندي ما هو شركان، وإلا كنت أسرته، ولكن رجل أتى إلينا، وقدم علينا فطلب الضيافة فاستضفناه، فإذا تحققنا أنه شركان بعينه، وثبت عندنا أنه هو من غير شك، فلا يليق بمروءتي أن أمكنكم منه، لأنه دخل تحت عهدي وذمتي، فلا تخونوني في ضيفي، ولا تفضحوني بين الأنام، بل إرجع أنت إلى الملك أبي، وقبل الأرض بين يديه، وأخبره بأن الأمر بخلاف ما قالته العجوز ذات الدواهي.فقال البطريق ماسورة: أنا ما أقدر أن أعود إلى الملك إلا بغريمه، فلما سمعت هذا الكلام قالت: إذا كان هذا الأمر فإنه عنوان السفه، لأن هذا الرجل واحد وأنتم مئة، فإذا أردتم مصادمته فابرزوا له واحداً بعد واحد، ليظهر عند الملك من هو البطل منكم.