إعادة ترتيب أوراق الوطن (5-10)
نحن بحاجة جادة وملحّة وصادقة لإعادة قراءة أوراق الوطن وترتيبها، فقد أضاعنا وأضاع البلد معنا، حقاً، سلوك بعثرة الأوراق أو خلطها أو إهمالها أو تمزيقها، وربّما حرقها.فهناك أخطاء وتراجعات كبيرة بحق الوطن، تكشفها قراءة أوراقه، ارتكبتها أو ساهمت بها الأطراف كافة، عن علم ودراية وإدراك، أو من دون علم، أو بلا قصد، أو بسذاجة، وقد سُتِرَتْ حقائقها بمسلك غير حميد، تمثّل بالمجاملة أحياناً، أو بالتغافل أحياناً، وبالتحالفات أحياناً ثالثة، أو بتفريط متعمد أحياناً أخرى.وقد انعكس كل ذلك بشكل مرعب على المسار العام للوطن، إلّا أنّ هناك تجنباً واضحاً عن الخوض فيها وتناولها بشكل موضوعي ومحايد وصريح ومنطقي، وبحسّ وطني مسؤول.
وأعلم أن الخوض فيها وتناولها بالبحث والنقاش والتشخيص، سيثير حساسية لدى البعض، وربما يثير حفيظتهم، بل وإطلاقهم التّهم والانتقادات اللاذعة لكل من يقترب منها أو يثيرها، خصوصاً عند تناول أوراق المعارضة في مجلس الأمة وخارجه، التي لم تلعب الدور المرتقب منها بشكل عام.فالإشكال لدى المعارضة لا يقلّ إلحاحاً عمّا تقوم به الحكومة، لأنّ هناك غياباً واضحاً للمشروع الوطني المتكامل، ولذا فإنّ تحالفاتها هشّة تلتقي آنياً على موضوع معيّن، لكنها سرعان ما تتفكك في الاختبارات السياسية الحاسمة، فيندفع كل منها لأجندته الخاصة الهامشية، فمنها من يتحالف مع السلطة في مواجهة بقية مكونات المعارضة، ومنها من يسقط عند أول تلويح لهم بمصالح أو مكاسب حزبية، أو حتى عائلية أو مالية، وكثير منهم مَن تغريه المكاسب السياسية وإعادة انتخابه، وتتفكك مكونات المعارضة، لتبدأ حالة الصراع بينها والضرب تحت الحزام، وهو ما يطرب السلطة، ويجهض أيّة محاولات إصلاحية واعدة، بسبب غياب المشروع الوطني لدى المعارضة، فيسهُل اختراق تكوينها الهشّ، بل وتسليط بعضها على بعض، لأنّ همّ الوطن كمشروع ليس هو أساس التقائها، وإن تغنّى كل منهم بالوطن في معزوفة جميلة لا أساس لها ولا مشروع يجمعها. ولعل أخطر ما تجسّده المعارضة داخل البرلمان هو الرغبة الجامحة والإغراق في الفردية، حتى فيما بين الجماعات السياسية المنظمة، التي يفترض فيها أن تكون مثالاً للمعارضة ذات البرنامج والمتكامل في أدوار نوابها، إذ نجد أن خطّ مسار أيّ جماعة سياسية منها مشتّت حتى في المواقف التي يفترض عدم قابليتها القسمة على اثنين، ولا تحتمل أيّ تباين في المواقف، حيث نادراً ما تجد الموقف الموحد، وغالباً ما تجد أنّ منهم من يميل يميناً أو يساراً، وهناك ثالث مترددّ، ورابع صامت على نحو مثير للامتعاض، فكلّ منهم يفكر بقاعدته ويرتّب أموره الانتخابية، ويكابد في استجداء أصوات ناخبيه واسترضائهم كمنطقة انتخابية أو مكونات قبليّة، أو كأطراف عائلية أو دائرة مقرّبة من الأصدقاء، وتزداد الحال سوءاً لشخصيات المعارضة من أفراد النخب أو الباحثين عن المجد أو البطولات وتحقيق الزعامات، فكلّ منهم لا يرى إلا نفسه، فيعدد اقتراحاته ويستعرض مشاركاته ويبثّ كلماته، وكلها عبارة عن ألحان لحماسة من السراب، لا تسمن ولا تغني من جوع.