دروس خاطئة من أزمة قناة السويس
في شهر مارس الماضي، عَلِقت سفينة في قناة السويس ثم جرى تعويمها أخيراً بعد ستة أيام بفضل جهود طواقم زوارق السحب وحركة الأمواج المتبدّلة، وقبل تحرير السفينة، أطلق المحللون تحذيرات قاتمة مفادها أن الأزمة التي شهدتها قناة السويس تثبت عدم استقرار اقتصاد العولمة. ذكر أحد عناوين صحيفة "واشنطن بوست" أن "أزمة السويس هي دليل قاطع على هشاشة نظام التجارة العالمي"، حتى أن موقع "بلومبيرغ" ذهب أبعد من ذلك، فكتب ما يلي: "تثبت أزمة السويس أن الحضارة أضعف مما نظن"، فكانت سفينة واحدة كافية لإغلاق ممر يعبر فيه أكثر من 10% من التجارة الدولية، لذا افترض كاتبو المقالة أن وجود الحضارة بحد ذاتها يتأثر بإغلاق عدد صغير من نقاط الاختناق.لكنّ الدرس المستخلص من حادثة السويس يتناقض مع هذه التحليلات، فالعولمة لا تُرسّخ الضعف، بل إنها تزيد قوة سلاسل الإمدادات في وجه الصدمات، وعند فهم هذه الحقيقة، يسهل أن ينهار عدد كبير من الحجج الداعمة لتطبيق السياسة الحمائية وتكثيف الاستثمارات التي تضمن التفوق العسكري الأميركي.تذكر وثيقة جديدة صادرة عن البيت الأبيض أن السياسة الخارجية الأميركية تهدف إلى "الدفاع عن حق الوصول إلى المشاعات العامة، بما في ذلك حرية الملاحة"، وبرأي وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، يجب أن تحافظ الولايات المتحدة على وجودها في الشرق الأوسط خشية أن تغلق إيران مضيق هرمز، كذلك، تنفّذ القوات البحرية الأميركية "عمليات حرية الملاحة" في المياه التي تطالب بها بكين في بحر الصين الجنوبي، فتجازف بذلك باندلاع الحرب لضمان أن تبقى تلك المساحات مفتوحة أمام عمليات الشحن الدولية.
لكن تتجاهل هذه الأفكار الحوادث المتكررة في النظام القائم وقدرة المستهلكين والمنتجين على التكيّف مع الظروف المستجدة حين تفرض عليهم مصالحهم الاقتصادية فعل ذلك، وعند إغلاق أي شارع في بلدة معيّنة، لا يعني ذلك استحالة العبور من نقطة إلى أخرى، حيث يسلك البعض طرقات مختلفة، وقد يتكل البعض الآخر على وسائل النقل العامة أو يعمل من المنزل. سرعان ما يتم إصلاح الطريق أو تُبنى طريق جديدة في نهاية المطاف.تنطبق هذه الفكرة على المحيطات تحديداً، إذ ينحصر نظام الطرقات ببنية تحتية نشأت خلال فترة زمنية معينة، لكنّ البحار المفتوحة لا تخضع لهذا المعيار المحدود، فبعد إغلاق قناة السويس، بدأت السفن تلتف حول إفريقيا، وهذا الوضع زاد التكاليف طبعاً، لكنّ إقفال القناة لفترة طويلة ما كان ليُسبب كارثة عالمية على الأرجح. تحمل الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة تحتاج إلى حراسة ممرات الشحن أو الدفاع عن حرية الملاحة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ كمّاً كبيراً من الأوهام، إذ يكفي أن ننظر إلى خريطة بحر الصين الجنوبي للاقتناع بهذه المسألة، وعلى عكس قناة السويس التي تربط بين قارتَين، تحيط كميات إضافية من المياه بكامل المنطقة المتنازع عليها.غالباً ما تعطي محاولات السياسيين تقوية سلاسل الإمدادات نتيجة عكسية، حيث يتعلق السبب الوحيد الذي يدفع إيران إلى التفكير بإغلاق مضيق هرمز (مع أن هذه الخطوة تسيء إليها أكثر من أي بلد آخر) بالاضطرابات المشتقة من محاولات واشنطن الحفاظ على هيمنتها العسكرية في المنطقة، كذلك تترافق السياسة الحمائية الرامية إلى تطوير صناعات محلية مع إضعاف المرونة التي تضمنها العولمة. تستطيع الدول أن تضع الخطط للتعامل مع الحالات الطارئة التي واجهتها سابقاً، لكن لا يمكن أن تتوقع أي حكومة تداعيات الأزمات المستقبلية.يكثر منتقدو العولمة الذين يتوقون إلى التلويح بانهيارها المزعوم، لكن بفضل مستوى الترابط الذي تحقق حتى الآن، تميل الأزمات إلى التلاشي بأضرار أقل مما يتوقعه الناس، وللتعامل مع مشاكل غير متوقعة في سلاسل الإمدادات، لا تزال الحلول اللامركزية أفضل من الخطط المركزية، ولمعالجة أي اضطرابات مفاجئة في هذا المجال، تقضي أفضل طريقة بأن تبذل الحكومات الجهود اللازمة لتوسيع هامش العولمة الاقتصادية.