مزالق العدالة الدولية في ميانمار
أعلنت مجموعة تُمثّل الحكومة المدنية المخلوعة في ميانمار منذ أيام أنها جمعت 180 ألف دليل على انتهاك المجلس العسكري المحلي لحقوق الإنسان، وهي تتطلع بهذه الطريقة إلى رفع قضايا جنائية ضد جنرالات رفيعي المستوى في نهاية المطاف.جاء هذا الإعلان على لسان "لجنة تمثيل بييداونغسو هلوتاو" المؤلفة من نواب منتمين إلى حكومة "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" التي سقطت في 1 فبراير الماضي، مما أدى إلى انتشار الفوضى في أنحاء البلد.خلال الأسابيع التسعة التي تلت استيلاء الجيش على السلطة، زعمت "جمعية مساعدة السجناء السياسيين" أن 581 شخصاً على الأقل قُتِلوا على يد قوى الأمن، وقد اعترفت بأن هذا الرقم مُخفّف على الأرجح.
تشكّل "لجنة تمثيل بييداونغسو هلوتاو" نواة الحكومة الموازية التي نشأت للتصدي للمجلس العسكري، وقد نظّم محاموها اجتماعاً مع مسؤولين من "آلية التحقيق المستقلة في ميانمار" التابعة للأمم المتحدة منذ أيام، وذكر بيانهم أن ذلك الاجتماع يهدف إلى مناقشة أساليب الحوار والتعاون بين ميانمار وآلية التحقيق في ما يخص الأعمال الوحشية التي ارتكبها الجيش.قد تُمهّد هذه الأدلة لتحقيق العدالة في مرحلة غير محددة من المستقبل، لكنها تطرح في الوقت نفسه أسئلة صعبة على المدى القصير: هل ستؤدي محاولات تحقيق العدالة إلى تعقيد الجهود التي تبذلها الحركة الاحتجاجية في ميانمار لتحقيق النصر؟ وهل سيصبح كبار أعضاء المجلس العسكري أقل ميلاً إلى تقديم التنازلات أو تقبّل الهزيمة عند تهديدهم بملاحقتهم قضائياً؟لا تزال هذه النقطة خلافية حتى الآن نظراً إلى تراجع احتمال أن يبدي المجلس العسكري استعداده للتنازل أو الرضوخ لمطالب الحركة الاحتجاجية، لكن بما أن "لجنة تمثيل بييداونغسو هلوتاو" وحكومة الوحدة الوطنية الموازية تواجهان مساراً شاقاً ضد خصم مسلّح ووحشي، تتعدد الأسباب التي تدعونا إلى التشكيك في اتخاذ خطوة استباقية وإغلاق المنافذ التي تسمح لقادة المجلس العسكري بالهرب.لهذا السبب، تعكس الجهود القانونية التي تبذلها "لجنة تمثيل بييداونغسو هلوتاو" إخفاقاً شائعاً للآليات الجنائية الدولية التي تشكّل نظاماً ضعيفاً لردع الأعمال الوحشية، مع أنها تكون صارمة بما يكفي أحياناً لدفع القادة المستغلين إلى تخفيف سطوتهم. يظن بعض المراقبين أن تهديد المرتكبين بإحالتهم إلى المحكمة الجنائية الدولية يُفترض أن يكون من الأدوات القسرية التي تستعملها الأمم المتحدة للضغط على المجلس العسكري، شرط ألا يتوقف المعنيون عن التساؤل حول احتمال أن يستسلم الجنرال مين أونغ هلينغ وأعوانه عند تهديدهم بالمحاكمة في لاهاي.في معظم الحالات، تتطلب الحلول السلمية للصراعات والحروب الأهلية تنازلات سياسية فوضوية. على سبيل المثال، كان انتصار "حركة قوة الشعب" في الفلبين في 1986 مبنياً على استعداد الولايات المتحدة للسماح لرئيس البلاد فرديناند ماركوس بالتوجه إلى هاواي بكل أمان (حتى أن سلاح الجو الأميركي أمّن طائرة النقل "سي-130" لنقل ماركوس وأفراد عائلته وغنائمهم غير المشروعة إلى المنفى). لولا هذه الضمانات، كان الوضع سيتطور بطريقة مختلفة جداً في ظل توسّع التهديدات التي تنذر بملاحقة الرئيس قضائياً كما يستحق.لا تُعتبر الحالتان متشابهتَين بالكامل، بل إن مسار تحقيق العدالة وإرساء السلام قد يختلف في كل حالة منهما، ومع ذلك لا يمكن الاستخفاف بالتقاء القضيتَين معاً بكل وضوح.سيكون الصراع في ميانمار طويلاً ولا تبدو نتيجته النهائية مؤكدة حتى الآن، فإذا انتهى هذا الصراع أخيراً عبر إعادة إرساء الحُكم المدني مع درجة من مظاهر الديمقراطية، يرتفع احتمال أن تترافق هذه الرحلة الشاقة مع مقايضات وتنازلات مزعجة.