خلال الأسبوع الجاري لفت نظري خبران جاءا من السعودية؛ الأول: تسمية شارع في محافظة الطائف باسم الشاعر محمد الثبيتي (1952-2011)، والثاني: حصول بعض المعنيين بالنشر على صفة ووظيفة "وكيل أدبي" أو "وكالة أدبية"، وكلا الخبرين يستحقّ الوقوف عنده. إن تسمية شارع باسم شاعر ترك بصمة كبيرة ولافتة في مسيرة الشعر الحديث بالمملكة وفي أقطار الوطن العربي، وبرعاية كريمة من الشاعر والفنان صاحب السموّ الملكي الأمير خالد الفيصل، لهُو تقدير كبير، كبير بأن يكون شارع بعالمه وعابريه ومرتاديه لشاعر، وكبير لحظة تنتمي بقعة أرض لشاعر، بحيث يتواعد أخوان أو صديقان وأحدهما يقول للآخر: أراك في شارع الثبيتي! وكم تتجمّل بقعة أرض حين تُنسب لشاعر! لكن، ما لفت نظري أيضاً فيما حمله الخبر، هو أن تبقى أنظمتنا العربية مصرّة على تكريم أبنائها بعد موتهم، وكأنّ وجودهم الإنساني والإبداعي لا يأخذ قيمته الأكبر ويبلغ قمّته إلّا بموتهم! وكم كان وقع الخبر سيكون مفرحاً حدّ الزلزال في نفس الثبيتي، لو أنه تمَّ في حياته، لكنّ قدر الثبيتي، ونحن معه أن يُكرَّم وهو في قبره!الخبر الثاني، هو تعيين وكيل أدبي، وهذا أمر بات ملحّاً وضرورياً في اللحظة الراهنة، فوسط هدير لا يتوقف من الإصدارات الأدبية، في الرواية والقصة والسيرة والشعر، ووسط فيض يومي من ترجمات من كل لغات الدينا، صار الوكيل الأدبي ضرورة للكاتب. ضرورة لكي يتفرّغ المبدع لإبداعه، وأن يكفّ ويرتاح من طرق أبواب الناشرين، والتفاوض معهم، ومتابعة أمور النشر، ولوحة الغلاف، وأخبار الصدور! وضرورة لقيام الوكيل بالبحث عن ناشر، وتخيّر الأفضل، وضرورة لمتابعة كل ما يخصّ الطباعة من مراجعة حقيقية لا تقف عند حدّ التصحيح اللغوي العابر والفقير، بل تتجاوزه إلى مراجعة تفتّش في توافر عناصر الجنس الأدبي بالمخطوط المُقدَّم للنشر، وقيادة تلك العناصر بمعادلاتها الأفضل لتقدّم نتاج المبدع بأفضل صورة. فالكاتب العربي اليوم، يكاد يقوم بكل شيء، ويكاد لا يحصل على أي شيء، وهذا الكلام ليس من باب الكتابة الصحافية، لكنه من باب واقع الحال المرير الذي يعيشه الكاتب العربي. فقلّة قليلة، أولئك المحظوظون، الذين ابتسم لهم الحظ، وصاروا يعيشون من وراء كتاباتهم! أمّا البقية الباقية التي تشكّل ما نسبته 99.999 بالمئة فهُم الكتّاب الذين بالكاد يحصلون على نتف مال كمردود لأعمالهم.
وببساطة، إذا كان الكاتب الروائي العربي المحترف يُنتج رواية واحدة على امتداد العام، وبجهد يومي متواصل، فإنّ قلة نادرة من دور النشر العربية تلك التي تعطي الكاتب مبلغاً مقدماً بحدود 500 دولار، وهذا يعني ما مقداره 41.66 دولاراً شهرياً، ويعني مبلغ 1.38 دولار يومياً، وهذا مبلغ أقلّ من أن يقيم جوع إنسان، فما بالك بحاجاته الضرورية، وكيف تراها تكون المأساة لو كان يُفترض بهذا المبلغ أن يعيل الكاتب وعائلته؟! لذا فإن عبارة "الكاتب العربي يكتب بالمجان"! صحيحة. والمقولة الشعبية الدارجة: الأدب ما يُطعم خبزاً، هي أيضاً صحيحة! ومن هنا فإنّ الكتّاب العرب، الذين أفنوا حياتهم في الكتابة وفي النشر هؤلاء قدّموا تضحيات كبيرة، وأفنوا زهرة شبابهم، وهم قانعون بأقلّ القليل، وكأنّ قدراً سماوياً سار بهم في دروب الكتابة. وعليهم وفق الخبر الأول أن ينتظروا مماتهم، لكي يُسمّى شارع باسمهم؛ هذا إذا كانوا أكثر حظاً في مماتهم ممّا كانوا عليه في حياتهم!الخبر الأول جميل بأن يقرأ الأطفال اسم شارع منسوباً لشاعر، والخبر الثاني جميل، بأن يكون هناك وكيل أدبي يصادق الكاتب ويأتي له ببعض حقه!
توابل - ثقافات
خبران سعوديان!
16-04-2021