من الأمور التي تلفت انتباهي بشدة، وأستغرب حدوثها أمامي أو بمسمع مني، التناقض الكبير بين هيئة الشخص وفعله أو قوله، فحين تقدّر شخصاً ثم تتفاجأ أن ما يفعله هذا (المقدّر) لا يتناسب مع تقديرك له، أو ما يقوله دون ما تتوقعه منه، فإنك إما أن تشك في حقيقة الفعل أو أن تقديرك للشخص ليس في محله، ولتبرر لنفسك العجز عن فهم طبائع الناس فإنك تشك أن الشخص ربما واقع تحت تأثير مخدّر.

ولأن تعاطي المخدر بكل الأحوال سواء كان الصنف جيداً أو مضروباً لا يكون من شخص سويّ، فإن الأقوال والأفعال تكشف دائماً السوي من اللاسوي دون الحاجة لتبرير السوء بمعزل عن صاحبه، فما حكاية المخدرات (جيدها ومضروبها) إلا طريقة تبريرية لسوء تصنيف الناس للناس وخطأ تقدير الناس للناس، لكن هذا التبرير للخطأ يأخذ أبعاداً مختلفة وبحسب نوع الخطأ وحجمه وحجم الصدمة من سلوك المخطئ.

Ad

وأذكر ذات مرة أن أحد المتسوقين في المباركية رفع مسدساً (لا أعلم إن كان حقيقياً أم لا) في وجه بائع من إحدى الجنسيات التي اشتهرت باستخدام اللسان أكثر من اليد، والبائع لا يتوقف عن السباب دون خوف اعتقاداً منه على ما يبدو أن حامل المسدس لا يجرؤ على ارتكاب جريمة بسبب خلاف بسيط، فما كان من أحد كبار السن الذين أغراهم الموقف بالتفرج إلا أن قال لحامل المسدس: "يا ولدي صدرك بكبر الجبل، خش المسدس وروح مردغه)، وخلال دقائق كنا قد أبعدنا (أبوصدر) عن البائع بعد جهد والبائع ينزف دماً، وإلى هذه اللحظة لا أعلم إن كان حامل المسدس هو المحشش حيث أوشك أن يدمر مستقبله أو البائع الذي لم يتوقف عن استفزاز حامل المسدس أو (الشايب) الذي استبدل مشروع جريمة قد لا تقع (بهوشة) مؤكدة الوقوع.

ورغم بساطة الموقف ومحدودية ضرره فإن تطوره الدراماتيكي بهذا الشكل ينم عن نقص في العقول، لكن بعض المواقف تخرج من دائرة الشك بتأثير المخدر إلى الشك بجودة المخدر من عدمها، وإلا بماذا نصف من يشارك في الانتخابات باستمرار فيحصل على بضعة أصوات دون أن يجد سبباً لتكرار المشاركة أو رادعاً للتوقف عنها، وبماذا نصف ناشطاً يطعن بالذمم وذمته من كثرة الطعون تكسرت فوقها النصال على النصال، وماذا نصف سياسياً يكرر أخطاءه باستمرار ويصر على عدم تغييرها لأنها صواب لا تحتمل الخطأ، فمثل هذه المواقف لا تصدر إلا من أشخاص واقعين تحت تأثير المخدر.

لكن بعض الأفعال أو الأقوال تصل إلى درجة اليقين بأن (الصنف مضروب)، فما زلت أذكر تحشيشة من النوع المضروب جداً تقول إن الاكتشاف الكبير الذي أثبت تزوير البدون وادعاءاتهم الكاذبة ما وجد في أحد المخابئ السرية للنظام البائد في العراق من وثائق خاصة بجنسياتهم مما غيّر التصوّر الحكومي في هذا الملف، ورغم أن تحشيشة بهذا الحجم لا يجرؤ على التفوه بمثلها حتى فناننا الكبير سعد الفرج في مسرحية حامي الديار، فإن من تفوه بها سياسي وناشط يحاول أن يكون ضمن أهل المقدمة، ولأننا إلى هذه اللحظة لم نسمع بأحد هؤلاء البدون (المزورين) قد تم تحويله إلى القضاء ليثبت تزويره، فإن هذا الادعاء يزيد شكوكي بأن الفترة الحالية من أكثر الفترات التي ينتشر بها الشبو السياسي.

صالح غزال العنزي