بقايا خيال: «حمار تركبه ولا يركبك»
سمعت الإعلامي القدير محمد السنعوسي في أحد اللقاءات التلفزيونية متحدثاً عن كيفية اختيار المسؤولين لتقلد المناصب الحساسة في الدولة فيقول: "في بداية الثمانينيات دخلت على واحد مسؤول كبير وله تأثير في ترشيح وتشكيل أعضاء الحكومة.. وكان يتكلم في التلفون، ويقول: أنا والله أثق فيه.. وهذا كذا.. وكذا.. واتضح أنه كان يرشحه لتقلد منصب وزير التربية.. استغربت أنا من هذا الكلام، يرشح فلان لوزارة التربية؟ فلان غير كفؤ لإدارة وزارة التربية.. المهم أنه خلص من المكالمة و"صك" التلفون فقلت له: يا.... إنت قاعد ترشح فلان لوزارة التربية!! وزارة التربية يجب أن يكون وزيرها عنده دكتوراه، أستاذ في الجامعة، أكاديمي، وعنده خبرة، هذه هي المواصفات كلها، هذي اللي تصلح للتربية، نحن نعاني فقال لي: أووووه.... "حمار تركبه ولا يركبك". هذا مثل ما زال "يون بإذني".. أنا مقهور منه". انتهى الاقتباس. هل يعقل أن تكون مقولة "حمار تركبه ولا يركبك" مقياساً لاختيار الأشخاص لإدارة مؤسسات حساسة في البلد؟ وهل يعقل أن هذه الشخصيات التي نحترم مكانتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ونقدر تخصصاتها وخبراتها وقدراتها الإدارية، كانت تعرف أن هذا المعيار في اختيار من يتقلد المناصب الحساسة هو المعتمد عندنا، قبل قبولها بالمنصب؟ بعد أن سمعت كلام بوطارق، ضمن هذا المقطع من الفيديو، مر أمام عيني شريط طويل جداً غير ممل، اشتمل على قائمة لا حصر لها من شخصيات كويتية مرموقة تقلدت مناصب حساسة في الدولة على مر العقود الماضية، كمنصب الوزير، أو كيل وزارة، أو كيل وزارة مساعد، أو رئيس هيئة، أو نائب رئيس هيئة، أو رئيس مجلس إدارة شركة، أو... أو...، لكنه شريط رافقه في الوقت نفسه فيض من تلال الحسرات على أجيال مخلصة للبلد جاءت بحسن نية من أجل العطاء لخدمة البلد، دون أن تدري أن هناك من ينظر إليها بمنظار آخر، ومن يدري فقد يكون من بين هؤلاء الذين تقلدوا هذه المناصب كثيرون يعرفون هذه الحقيقة المرة، لكنهم يتجاوزونها عشقاً لهذه الأرض وهياماً بالكويت، وكأن لسان حالهم يقول: كل شي في حبك يا بلدي يهون، حتى إن كان هذا الـ"كل شيء" عصا غليظة في دواليب العطاء والإنجاز.
ويبدو أن مبدأ "حمار تركبه ولا يركبك" استخدم لفترة طويلة من الزمن، وإلا فلماذا تدهور التعليم، وتدنت الخدمات الصحية، ودمرت البنية التحتية، وانتشر الفساد في أروقة غالبية مؤسسات الدولة، حتى تسيد الفرد على القانون بدلاً من أن يتسيد القانون على المجتمع!