الهدف من الدساتير في أي دولة ديمقراطية هو إيجاد عقد اجتماعي يرسم حدود السلطات وعلاقاتها مع بعضها، إضافة إلى حفظ حقوق الأفراد وصيانتها من أيّ تغوّل أو انحرافات، وبذلك يعتبر الدستور إطاراً واضحاً، ومبدأً أساسياً يحكم الحياة السياسية، التي تستند إلى روح هذا الدستور وغاياته ومقاصده، وبالطبع هذا ما هدف إليه المؤسسون الأوائل حين وضعوا الدستور، وتم بذلك تأسيس دولة ديمقراطية تتّضح فيها حقوق الجميع، لكنّ الممارسات السابقة خلال العقد الماضي أدّت، بشكل أو بآخر، إلى الانتقاص من حقوق الأفراد ومكتسباتهم وحرياتهم من خلال إجراءات وقوانين أدت في النهاية إلى تقليص حريّة الأفراد، وهو ما يعدّ بشكل أو بآخر التفافاً على الديمقراطية ومحاولة إفراغها من محتواها؛ فنتج، لأوّل مرة في تاريخ الكويت، ما يُعرف بسجناء الرأي والمنفيين اختيارياً، نتيجة "جرائم" تتعلّق بمواقفهم السياسية، وهو ما أوجد واقعاً جديداً نتيجة محاولات السلطة التنفيذية التغوّل على السلطات الأخرى، ونقص الشفافية، والالتفاف على الأدوات الرقابية، مما أدى في النهاية إلى إشاعة جو من التشنّج في تعاملها مع أيّ نواب معارضين يوصلهم الشعب إلى مجلس الأمة؛ وهو ما نشهده اليوم؛ فالسلطة التنفيذية لم تقرأ نتائج الانتخابات الأخيرة بالشكل الصحيح، ولم تهتم بالاتجاهات التي أفرزتها هذه الانتخابات.لا شك في أن الحياة السياسية بالكويت تمرّ اليوم بنفق مظلم، تحتاج معه إلى الحكمة ورجاحة العقل، وأمام هذا التشنج الحاصل يسأل كل صاحب موقف وطني حقيقي نفسه: هل تحتّم علينا مثل هذه الأوضاع أن نمسك العصا من المنتصف، كما يقال، أم نسعى إلى تصويب هذه الأوضاع والدفاع عن الديمقراطية وعن المكتسبات الدستورية؟
والواقع أن كلا الخيارين صعب، فإمساك العصا من المنتصف قد يضيّع الفرصة الأخيرة لإعادة الديمقراطية الكويتية إلى مسارها، كما أن التصدي لهذه الأوضاع ومحاولة تصحيحها لا يخلو من مزيد من المواجهات.لكن مع انسداد الأفق الحاصل، يتساءل الشارع الكويتي: أين دور القيادة السياسية أمام هذه الأوضاع، التي تمرّ بها الكويت؟ فالشعب الكويتي يراهن -عن يقين- على أن القيادة السياسية ستعيد الأمور إلى نصابها.يأتي انسداد الأفق الحاصل بالدرجة الأولى من إصرار السلطة التنفيذية على عدم التقدّم بأي مبادرات من شأنها حلحلة الأزمة، ويتساءل الشارع السياسي والشعبي: أين التعهدات بالعفو الخاص - من دون استثناء - عن المحكومين بـ "جرائم" تتعلّق بالرأي السياسي، ولماذا هذا الإصرار على عدم لمّ الشمل وفتح صفحة جديدة تُخرج البلاد من هذه الأزمة؟ وهل هذا جزاء الشعب الكويتي من حكومة صباح الخالد المصرّة على تجاهله وتجاهل أولوياته؟***«Catalyst» مادة حفّازة:تدخُّل سيادي + احترام خيارات الشعب = عبور الأزمة
أخر كلام
حوار كيميائي: الديمقراطية الضائعة
18-04-2021