بايدن يستطيع التعويض عن غلطته
إذا كانت الحرب الأفغانية تهدف إلى منع الإرهابيين من استعمال أفغانستان لإطلاق اعتداءات ضد الولايات المتحدة، كانت واشنطن ستتمكن من إعلان النصر والانسحاب منذ سنوات، لكن إذا كان هدفها يتعلق بالمشاركة في بناء دولة مستدامة (عبر منع حركة "طالبان" من الاستيلاء على السلطة مجدداً، والقضاء على التقدم الذي أحرزه ملايين المواطنين الأفغان، والسماح للإسلاميين المتطرفين باسترجاع قاعدتهم على الأراضي الأفغانية)، فيعني ذلك أن أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة انتهت بالهزيمة، حيث يُمهّد إعلان الرئيس جو بايدن حول سحب جميع القوات الأميركية بحلول 11 سبتمبر المقبل لبدء العد التنازلي الذي يسبق انهيار الحكومة الأفغانية.يحمل بايدن تاريخاً شخصياً في هذا النوع من الملفات، ففي أبريل 1975، خلال ولايته الأولى كسيناتور في مجلس الشيوخ، عبّر بايدن صراحةً عن اعتراضه على استعمال الأموال الأميركية والمجازفة بسلامة الأميركيين لإنقاذ عشرات آلاف الناس الذين راهنوا بحياتهم على الوعود الأميركية في فيتنام الجنوبية، فقال خلال أحد خطاباته في مجلس الشيوخ: "الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن إجلاء شخص واحد ولا 100 ألف شخص من فيتنام الجنوبية"، وحاول الرئيس غيرالد فورد حينها إقناع بايدن عبر تذكيره بالتقليد الأميركي الذي يقضي بالترحيب باللاجئين الهاربين من الحرب والظلم، لكن لم يتغير موقف بايدن. كانت فيتنام قضية خاسرة في مطلق الأحوال وأراد الأميركيون نسيانها.حين سقطت فيتنام الجنوبية، تم إجلاء 135 ألف فيتنامي معرّض للخطر بفضل الجهود البطولية التي بذلها مسؤولون أميركيون ومحاربون قدامى ومواطنون عاديون، وأعلن فورد لاحقاً: "كان الامتناع عن هذا النوع من الجهود سيضيف شكلاً من العار الأخلاقي إلى الإهانة العسكرية التي تعرّضنا لها برأيي"، فأصبح هؤلاء اللاجئون وأحفادهم أميركيين اليوم، ومن المستبعد أن يكون بايدن قد فضّل وضعاً مختلفاً عما حصل.
لم يؤيد بايدن أي التزام أخلاقي في عام 1975، لكنه يستطيع أن يتعلّم من غلطته اليوم ويعوّض عنها، إذ ينتظر 17 ألف أفغاني كانوا قد عملوا لمصلحة الولايات المتحدة في أفغانستان، فضلاً عن عشرات آلاف الأشخاص الآخرين من أفراد عائلاتهم، انتهاء الإجراءات البيروقراطية البطيئة داخل الحكومة الأميركية لإتمام طلبات التأشيرة، وإذا تطورت هذه الإجراءات بالإيقاع الطبيعي، فسيضطر هؤلاء للانتظار لسنوات إضافية بعد انسحاب آخر الجنود الأميركيين من بلدهم، وستطارد "طالبان" عدداً كبيراً منهم في حين ينتظرون انتهاء الإجراءات ويحاولون الاختباء، حيث سيرحل الأميركيون ويُقتَل الأفغان الذين صدّقوا وعودهم، وستنتهي تلك الحرب ولن يسمع الأميركيون على الأرجح أخبار موت هؤلاء الأفغان.حين بدأت فيتنام الجنوبية تنهار في ربيع عام 1975، حلّت النهاية بسرعة صادمة واضطرت إدارة فورد لتنظيم عمليات الإجلاء خلال أسابيع قليلة، ففي أفغانستان، أعطت إدارة بايدن نفسها خمسة أشهر تقريباً، وهي مدة كافية لإنقاذ آلاف الأفغان الذين جازفوا بكل شيء لمساعدة الولايات المتحدة في بلدهم، لكن لن تكون هذه المدة كافية لإنقاذهم عبر تسريع مراجعة طلبات التأشيرة بكل بساطة، بل يجب أن يخرج هؤلاء الأفغان من البلد ويتجهوا إلى قاعدة عسكرية أميركية خارجية، حيث يمكن التدقيق بقضاياهم في جو آمن بعيداً عن نطاق تأثير "طالبان"، وهذا الحل يُسمّى أحياناً "خيار غوام" غداة العملية الأميركية التي أنقذت آلاف الأكراد العراقيين من صدام حسين خلال التسعينيات عبر نقلهم إلى غوام جواً، ويُفترض أن ينشئ بايدن فريق عمل يضمّ مجموعة من المسؤولين العسكريين والمدنيين من أبرز الوكالات الناشطة للتخطيط لهذه العملية وتنفيذها، وبناءً على المعايير الحكومية الاعتيادية، قد تبدو هذه الجهود مستبعدة، ولكن انطلاقاً من معايير الجيش الأميركي التي ترتكز على عدم التخلي عن أحد في ساحة المعركة، سيكون أي خيار بديل مستحيلاً.