لم يحُسن المشرّع الكويتي صياغة التعديل الأخير على قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية في القانون رقم 1 لسنة 2021، وذلك عندما قرر منع جهات التحقيق من إصدار قرارات الحبس الاحتياطي تجاه مَنْ يمارس حقه في التعبير عن الرأي.التعديل الصادر يتعارض مع أهداف التشريع، من حيث صياغته ومقاصده والمعالجة التي ينوي تحقيقها، فمن يمارس حقه في التعبير عن الرأي لن تطوله بالتأكيد الاتهامات ولا المحاكمات الجزائية.
وبينما كان يتعيَّن على المشرّع أن يصرح عن مقاصده من هذا التشريع، بتحديد الوقائع التي يقصدها لبيان الغاية التشريعية، فإنه لم يحدد الجرائم التي يتعيَّن على جهات التحقيق الامتناع عن إصدار قرارات الحبس الاحتياطي فيها!والنص بصيغته الحالية: «وفي جميع الأحوال لا تسري أحكام الحبس على مَن يمارس حقه في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو الرسم أو غير ذلك».وهو ما يتعارض مع فكرة المعالجة التشريعية، لأن جميع وسائل التعبير عن الرأي تكون بالقول أو الكتابة أو الرسم أو بأي من الوسائل المتاحة؛ التقليدية أو الحديثة. وعليه، فإن القانون لم يحدد المعالجة التي أراد النص عليها.الأمر الآخر، فإن القول بعدم إصدار قرارات الحبس الاحتياطي فيمن يمارس حقه في التعبير يُفقد النص مقاصده، لأن تلك العمومية تعني الإطلاق على كل ما يصدره الأفراد من أفكار وآراء في خانة التعبير، في حين أن مَنْ يقرر ما تم إطلاقه يُعد حرية أو لا هي المحاكم الجزائية وحدها، ولا يمكن للنيابة والتحقيقات التوصل إلى تلك الحقيقة، مما يمتنع عليها، بسبب أو دون سبب، إصدار قرار الحبس الاحتياطي في كل قضايا الرأي والتعبير عن الكلمة والمفردة، سواء ما يصدر بالإساءة إلى الذات الإلهية أو الأنبياء أو الرسل أو الدين أو الأمير أو القضاء أو إذاعة الأخبار الكاذبة، وغيرها من ممارسات لصيقة بالتعبير عن الرأي.وما يراه مُطلق العبارة، بأنه حرية عن التعبير هو أمر تؤكده أو تنفيه المحكمة وحدها. وعليه، فإن النص يحظر بذلك على النيابة وجهاز التحقيق بحكم مطلق وعام عدم إصدار قرارات الحبس الاحتياطي وحتى تجديد الحبس، لكونه يتعارض مع الحكم الوارد في التعديل التشريعي، وهو الأمر من شأنه أن يثير الفوضى والقلاقل، بأن مَنْ يُصدر عبارات الفتنة الطائفية والطعن بالذات الإلهية والأديان والإساءة للأمير والقضاء وإذاعة الأخبار الكاذبة يكون مطلقاً، وبمقدوره إكمال إساءاته وطعناته، في حين أن جهات التحقيق محظور عليها حبسه على ذمة التحقيق، وكفه عن ذلك، ولو مؤقتا، وهو أمر لا يقبله عقل أو منطق، بسبب تشريع لم يحدد المقاصد التشريعية منه، والمعالجة التشريعية التي كان يبتغيها من وراء هذا التعديل.وكان يتعيَّن على المشرّع أن يلج على نحو مباشر إلى إلغاء أحكام الحبس في الجرائم التي يريد إلغاء عقوبة الحبس فيها على نحو صريح وواضح، ومن دون أن يُطلق حكمه على جميع القضايا، كما ورد في هذا التعديل.وبينما اشتملت المذكرة الإيضاحية لهذا التشريع على ستة أسطر فقط عن توجه المشرّع إلى إلغاء قرارات الحبس، بما يتماشى مع اتفاقيات العهد الدولي، لم يدرك أن تلك الاتفاقيات تتعارض أصلاً مع عقوبة الحبس لأصحاب الرأي، الأمر الذي كان يتعين على المشرّع تحديدهم وتسميتهم، وبيان القوانين التي تخاطبهم، لا أن يترك الأمور على عواهنها.أتمنى أن يعيد المشرّع الكويتي النظر مجددا في صياغة هذا التشريع، وأن يحدد الجرائم التي يتعين عدم إصدار أحكام عقوبة الحبس فيها على نحو صريح، بما يحفظ لحرية الرأي والكلمة قدرها، وبُعديها الإنساني والدولي، وبما يتفق مع أحكام الدستور.
مقالات
مرافعة : لا حبس لأصحاب الرأي!
20-04-2021