هل لدينا ديمقراطية لكي نلومها؟
استخدمت مصطلح "التجربة الديمقراطية" أثناء محاضرة عامة بالجامعة لتقييم نتائج انتخابات 198٥. كانت الأجواء مفعمة بالتفاؤل، والثقة بالمستقبل، فمن سقط بفعل فاعل في 1981، عاد بقوة، مطعماً بنواب شباب فاعلين. تأثراً بالأجواء الإيجابية المنتشرة حينها، لم يكن وصف "التجربة" مريحاً لدى البعض، فالديمقراطية الكويتية بالنسبة لهم قد تجاوزت مرحلة "التجربة"، وصارت راسخة يانعة، دنت قطوفها.حقيقة الأمر هي أنها ليست باسقة، ولا ثمارها قد دنت، كانت تحتاج إلى رعاية، أهملتها عن قصدٍ أمُّها الحكومة، ولم يعطها أولادها حقها من الاهتمام، فضاعت وتاهت.أما ديمقراطيتنا فهي، في أحسن حالاتها، مشروع لم يكتمل، وعلينا أن نتمسك به ونصحح الاعوجاج فيه. فالتحول الديمقراطي طوعياً وتوافقاً، كحالنا، وليس ثورياً واجتثاثاً، هو من أكثر العمليات الإنسانية تعقيداً وبطئاً. ويزيده صعوبة، منظومة سياسية تقليدية، فردية، عشائرية، متحفظة، يحكمها نظام اقتصادي شبه ريعي، تحكمه موازين قوى غير متكافئة لمصلحة السلطة، بنسبة رقمية، تتجاوز 90% من معيار القوة. فالمسألة ليست خلافاً دستورياً أو لائحياً، بل تثبيت لقوة، وقد مرت علينا حقب أسوأ بكثير، مثل 1976 و1986، وفرض الرقابة المباشرة على الصحافة، وقانون أمن الدولة، الذي يسمح بالحبس دون توجيه تهمة 6 أشهر قابلة للتجديد، والذي تم إلغاؤه، بعد التحرير. وربما لو أننا لم نتعرض لغزو عراقي (أغسطس 1990) مباشرة بعد انتخابات المجلس الوطني (يونيو 1990)، لكنا مازلنا مستمرين في تصدينا للسلطة المطلقة.
ما يحدث الآن من أزمة هو جزء من فصول، بعضها مكرر، وبعضها مستجد، "كأننا أبطال مسرحية قديمة، بلا إطار، تبدأ دون دقة، وتنتهي بلا ستار" (حجازي) ما نراه الآن من حالة عجز حكومية، وحالة ضياع معارضة، هو نتيجة وليس سبباً، فديمقراطيتنا كانت ومازالت مشروعاً لم يكتمل، يتكامل أو يتناقص مع الوقت، تعرض لضربات حكومية قاصمة لظهره، وظلت أجزاء من التجربة، تراوح في مكانها، فيها إيجابيات، إلا أن السلبيات أبرز وأكثر وضوحاً. تتحمل الحكومة وزرها، بحكم الصلاحيات الواسعة، فاللوم على قدر المسؤولية.في المراحل شبه النهائية لصدور الدستور، وهو الوثيقة الأهم في سياق التجربة الديمقراطية، قال الشيخ عبدالله السالم للمجموعة الفاعلة: "أعرف أنكم غير راضين، ولكن هذا النص كان أفضل ما توصلنا إليه، اقبلوه، ثم عدلوه لاحقاً". إلا أن السلطة بدلاً من تطويره نحو مزيد من الحريات، قامت بتقليم أظافره وأحياناً كسرها واقتلاعها، فظل دستوراً جامداً، حسب آلياته. انتقل عبدالله السالم إلى رحمة الله بعد ثلاث سنوات من صدور الدستور، وتصدى فيها لأول أزمة سياسية حادة في ديسمبر 196٤، رافضاً حل المجلس، الذي طلبه رئيس الوزراء كحل للخروج من الأزمة.تغول السلطة على التجربة الديمقراطية، عبر السنين، أدى إلى بنيان هجين، ولن تتحول المسألة إلى شيء جديد، إلا بمبادرة جادة من السلطة، وفتح حوار جاد، لانتشال المجتمع من حالة التراجع الحادة، التي لن توفر أحداً، حكومة وغير حكومة، بل الوطن بأكمله.