نحن بحاجة جادة ومُلحَّة وصادقة لإعادة قراءة أوراق الوطن وترتيبها، فقد أضاعنا وأضاع البلد معنا، حقاً، سلوك بعثرة الأوراق أو خلطها أو إهمالها أو تمزيقها، وربما حرقها.فهناك أخطاء وتراجعات كبيرة بحق الوطن، تكشفها قراءة أوراق الوطن، ارتكبتها أو ساهمت بها جميع الأطراف.
وفي دهاليز المعارضة، والتي تمكنت لفترات ليست بالقليلة من أن تمتلك أغلبية لها داخل مجلس الأمة، تدهشك الإنجازات الهشة، التي حققتها أو تحققها في معظم الأحيان، المتمثلة بعرقلة مشروع معيَّن من مشاريع البلد، بسبب قضايا ثانوية أو رقابة غير جدية، بل ربما مساومات سياسية. إذ حتى الاستجوابات كانت توظف لبطولات وهمية أو استعراضات فردية، ولا عزاء للإصلاح، لذا فإن أوراق المعارضة تبددت فيما لا طائل منه، ومَن يقيّم بشكل منصف الإنجاز المؤسسي، الذي فرضته المعارضة على مستوى الدولة وأداء مؤسساتها، يجده ضحلاً، فلم تنجح المعارضة في تقديم البديل لمعالجة اقتصاد المصدر الواحد؛ لا في قانون تنموي اقتصادي، ولا في توظيف أو توجيه مبدع للميزانيات المليارية، التي يقرها المجلس في الوقت الضائع وبصورة ارتجالية، ولم تركّز المعارضة يوماً للتوافق المنطقي على قانون أو إجراءات تشريعية أو سياسية لحل مشكلة من المشكلات المزمنة في البلد، مثل: التعليم أو الرعاية الصحية أو التوظيف أو الإسكان أو ترهل النظام الإداري، المنغمس بوحل الفساد في التعيينات والترقيات والواسطة وتولي المناصب والبيروقراطية الفاشلة، ولم تطور القضاء، ولا حتى اللائحة الداخلية للمجلس، إلا من ردات فعل مُخجلة انعكست بتعديلات ثانوية، بل غيب مجلس الأمة عن الوجود بتغيير نظام جلساته الأسبوعية، وتآكل البلد، ولم يرَ الناس جدوى المعارضة، ففقدت ارتباط الناس بها وارتباطها بهم، إلا بشكل موسمي أفقد الناس أمل الإصلاح من خلالها.إن المعارضة لم تتمكن من تغيير النهج السياسي في عمل الحكومة أو المجلس، وما زلنا نعاني حتى اليوم إخفاقها بذلك، فهي لم تنجح في أن تغير من نهج تشكيل الحكومة، ولم تحسم مدة تشكيلها بأسبوعين خلال الفصل التشريعي، ولم تتمكن من إلزامها بالتقيد بالمادة 9٨ بشأن برنامج عمل الحكومة، ولم تنجح بفرض الحكومة البرلمانية، باستثناء تجربة ناقصة وطارئة ويتيمة في مجلس 1992.ولم توفق في تغيير نمط العمل البرلماني وتطويره، فلم تنجح في محاسبة الأعضاء على أحوال تعارض المصالح، بل كان من بين أعضائها مَن هو واقع في هذا المحظور، ولم تتمكن من وضع مدونة سلوك أو تعديل اللائحة لمحاسبة النواب، ولم تحاسب عضواً على اشتراكه في الانتخابات الفرعية، رغم كونها من سعت لتحريمها، ولم تحاسب أو تطالب بتطهير كشوف الناخبين، بل كان بعض زعاماتها من أبطال النقل، ولم تتم محاسبة أي نائب على شراء أصوات الناخبين، بل كان بعض أعضائها يشتري رضاء الناخبين بالخدمات، وهي ممارسة فاسدة بكل المقاييس، ولم ينجح المعارضون في تعديل نزاهة النظام الانتخابي من حيث نظام التصويت، إلا بمباركة حكومية، فضلاً عن الفشل في التقسيم العادل للدوائر، وتخليص الانتخابات من الظواهر السلبية التي تتلازم معها، بسبب أن معظمهم مستفيد من ضعف رقابة نزاهة الانتخابات. ولم يكن لها تحرك جاد لإقرار نظام الأحزاب ونظام التمثيل النسبي.وقد أضاعت أو أهدرت أو أهملت أن تستثمر أغلبيتها لإمضاء برنامج برلماني إصلاحي سياسي وتشريعي ومالي، وهو ما ورث معاناة مزمنة، لانشغالها بقضايا هامشية ومناوشات سياسية غير مُجدية، أو صناعة الأمجاد الشخصية عبر خطابات رنانة ودغدغة مشاعر الناس دون قطف للثمرة، ولم يتم خلق عمل برلماني قادر على مواجهة الفساد ومحاربة نهب وسرقة الأموال العامة، رغم سنّ تشريع لحماية المال العام، وإنشاء لجنة برلمانية لحمايته، لكن بقيت جهوده نظرية لم تلمس ثمارها.إن مسؤولية المعارضة أن تغير نهجها، لإحداث نقلة يترقبها الكويتيون، وتعزيز دولة المؤسسات، وتنمية البلد.
أخر كلام
إعادة ترتيب أوراق الوطن (6-10)
21-04-2021