عندما بلغت رجاء الجداوي السابعة والعشرين من عمرها، خشيت عليها والدتها من العنوسة، وألحت عليها كثيراً للزواج، وحينها سافرت إلى السودان بالمصادفة برفقة خالتها الفنانة تحية كاريوكا، لكي تشارك في مسرحية «روبابكيا» كبديلة للفنانة نبيلة عبيد التي اعتذرت عن عدم السفر مع الفرقة، وفي الفندق كان يوجد بعض لاعبي كرة القدم، وقام الفنانون بمصافحتهم، ما عدا واحد منهم كان يقرأ في كتاب، فسألت رجاء: «مين المثقف ده؟»، فقالوا لها إنه الكابتن حسن مختار.وفي اليوم التالي كانت تضع ماكياج الشخصية، فوجدته أمامها، وقال لها مازحاً: «النهارده شكلك أفضل.. امبارح كنتِ عاملة زي البلياتشو» وعرَّفها بنفسه، وسألها عن طبيعة عملها، فقالت له: «أنا مانيكان»، وشرحت له معناها، وعرّفها بنفسه بأنه حارس مرمى، وطلب منها أن يحادثها في الهاتف فوافقت.
وسافرت رجاء إلى الخرطوم ولحق بها حارس المرمى إلى هناك، وفوجئت بحضوره ومعه صحافي من مجلة رياضية، وطلب منها الصحافي صورة مع خطيبها، فنفت علاقتها به، لكنه أكد للصحافي أنه سيكون خطيبها، وبعدها وجدته معها على الطائرة نفسها، وعرض عليها الزواج، فسألته عن راتبه، فقال إنه يتقاضى 55 جنيهاً في الشهر، إضافة إلى خمسة جنيهات أخرى مع كل صدة للكرة، فقالت مازحة: «يعني أنا اتجوزك وأقعد أقول يا رب يصدّ الكرة؟»، وأخبرته أنها أكبر منه، وأن راتبه لا يتناسب معها، وتريد أن ترتبط بشخص كبير في السن، إلا أن مختار أصر على الارتباط بها، وبعد هبوط الطائرة ذهبت رجاء للتسوق في السوق الحرة، لتشتري هدية لوالدتها عبارة عن طقم أطباق صيني، فوجدته هناك، وطلب منها استقباله في بيتها للقاء والدتها، وأبدت استغرابا من إصراره، وفوجئت في اليوم التالي، باتصاله بوالدتها، فرحبت بمجيئه، واكتشفت أن أمها تعرفه كلاعب كرة، وتزوجت رجاء من اللاعب المشهور في يوم 22 نوفمبر 1970، بعد ستة أيام فقط من الخطوبة، وأحبته بعد الزواج، وأنجبت منه ابنتهما الوحيدة «أميرة»، وأدركت وقتها أن والدتها كان لديها بصيرة بموافقتها على الزواج من النجم الرياضي حسن مختار.وخلال فترة الخطوبة، حدثت بعض المواقف الطريفة مع زوجها، فحين ذهبا لشراء «خواتم» الزواج كتب الجواهرجي اسم خطيبها على الخاتم «حسن مختار»، وهو الخاتم الذي لم تخلعه من إصبعها، والموقف الثاني أنها في ليلة الزفاف لم ترتد فستان فرح، بل استعارت من صديقتها الفنانة سهير البابلي «بلوزة» برتقالية اللون ولم تردّها، واحتفظت بها للذكرى.
بريق عينيك
استطاعت الجداوي أن توفق بين الفن وكونها زوجة وأماً، بل تضاعف نشاطها بعد الزواج، وشاركت في العديد من الأفلام والأعمال الدرامية، ومنها فيلم «موعد على العشاء» عام 1981، للمخرج محمد خان، وجسدت شخصية «عنايات» أمام النجمة سعاد حسني، وأحمد زكي وحسين فهمي وزوزو ماضي، وفي العام التالي ظهرت كعارضة أزياء في «عصابة حمادة وتوتو» للمخرج محمد عبدالعزيز، وبطولة النجم عادل إمام ولبلبة وصلاح نظمي وسامي العدل، ودارت أحداثه في إطار كوميدي.ولم ينته عام 1982 من دون أن تشارك في ثلاثة أفلام أخرى، ولعبت دور «ليلى» في فيلم «انهيار» للمخرج أحمد السبعاوي، وبطولة النجوم كمال الشناوي وحسين فهمي وسهير رمزي، وأسند لها المخرج محمد عبدالعزيز دور «راجية» في فيلم «بريق عينيك» مع النجم نور الشريف ومديحة كامل، كما وقع اختيار المخرج يوسف شاهين لنجمة الأناقة للعمل معه في فيلم «حدوتة مصرية»، وقد اعتبرت هذا الفيلم نقطة تحوُّل في مسيرتها الفنية، لأنها تعاونت مع مخرج عالمي وصاحب فلسفة خاصة.مغامرة مسرحية
ومثلما دخلت مجال التمثيل مصادفة، دخلت الجداوي إلى عالم المسرح مصادفة أيضاً، عندما دُعيت لتناول العشاء في منزل «وحش الشاشة» فريد شوقي، وكان النجم عادل إمام من بين الحضور، وطلب منها أن تعمل معه في المسرح، ووقتها كان يجري بروفات مسرحية «الواد سيد الشغال»، وتخوفت نجمة الأناقة من المغامرة ومواجهة الجمهور في مسرحية كوميدية، إلا أنه أقنعها أنها خفيفة الظل ولديها حضور جيد، وفي ذلك الوقت أُصيبت بورم في الغدة الدرقية، وتسبب العلاج في زيادة وزنها، فانسحبت من عروض الأزياء، وتفرغت للمسرح، وقدّمت المسرحية الشهيرة على مدى ثماني سنوات، سافرت خلالها إلى مختلف دول العالم.وبدأت نجمة الأناقة تعاونها الفني مع نجم الكوميديا عادل إمام، قبل نهاية سبعينيات القرن الماضي، وشاركته في عدد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية، ومنها فيلم «أزواج طائشون» للمخرج نيازي مصطفى، ومسلسل «أحلام الفتى الطائر» للكاتب وحيد حامد، والمخرج محمد فاضل، وتعتبر هذه التجربة الدرامية نقلة فنية كبيرة في مشوارها الفني، لا سيما أن المسلسل لاقى نجاحاً كبيراً في عام 1978، وما زال يحظى بنسبة مشاهدة عالية حين يُعرض في القنوات الفضائية.واستمر عملها في المسرح مع الفنان الكبير عادل إمام مدة 17 عاماً، مما أكسبها خبرات تمثيلية فائقة، وقدرة على مواجهة الجمهور، بل إنها اكتشفت موهبتها الكوميدية، وأنها قادرة على الإضحاك بتلقائيتها وحضورها المميز، وأدركت أن الوقوف على خشبة المسرح بمنزلة «ترمومتر» لقياس درجة التفاعل بين الفنان والمُشاهِد، وكانت «وحياة طنط ظاظا» من العبارات الضاحكة التي رددتها أمام نجم الكوميديا خلال مسرحية «الواد سيد الشغال» بطولة عمر الحريري، ومصطفى متولي، ومشيرة إسماعيل، وبعدها شاركت في مسرحية «الزعيم» حتى مطلع الألفية الجديدة.وأثناء مشاركتها في مسرحية «الزعيم» خاضت تجربة مسرحية أخرى هي «الثعلب في الملعب» عام 1994، إخراج عبدالغني زكي، وبطولة الفنان محمد رضا وأحمد آدم ومحمد الشرقاوي وعزة كمال، ودارت الأحداث في إطار كوميدي، وتعد من العروض المسرحية التي انتشرت في تلك الفترة، ويتم عرضها ليوم واحد أمام عدد محدود من الجمهور، ويجري تسجيل العرض لإذاعته من خلال الشاشة الصغيرة. وتوقف نشاط رجاء المسرحي فور إسدال الستار على مسرحية «الزعيم»، على الرغم من شعورها بمتعة العمل على خشبة المسرح، وتجاوب الجمهور معها، إلا أنه استنزف كثيراً من وقتها وجهدها، وجعل كثيرا من المخرجين والمنتجين يتجنبون التعاون معها، ولذا فضّلت التركيز أكثر على السينما والدراما التلفزيونية.وكانت نجمة الأناقة تحرص على توثيق أغلب الذكريات بصور من مشوارها الفني، وتعتز بصورها مع الفنان عادل إمام بخاصة من مسرحية «الواد سيد الشغال»، وتحب أن تجلس مع حفيدتها «روضة» وتتصفح معها ألبوم ذكرياتها، وتستمع لآرائها في أعمالها الفنية.فن الإتيكيت
ارتبطت رجاء الجداوى بعالم الجمال والأناقة والجمال، واحتفظت بلقب «نجمة الأناقة»، على الرغم من اعتزالها عروض الأزياء، وبجانب عملها كفنانة وممثلة قديرة أثرت الفن بالعديد من أعمالها الهادفة طوال مشوار حياتها، إلى جانب أن هناك العديد من البرامج التي قدمتها للفتيات والسيدات عن فن التعامل الراقي والإتيكيت من خلال الشاشة الصغيرة.واكتسبت الفنانة الراحلة فن التعامل والإتيكيت منذ طفولتها، فكانت دراستها في مدرسة داخلية، وكانت تهتم فيها بدروس اختيار الملابس، والمشي بخطى ثابتة، وآداب الطعام، كما علّمتها خالتها الفنانة الراحلة تحية كاريوكا فنون التعامل مع الآخرين، وشاركت في صباها بعروض أزياء لأشهر دور الأزياء الفرنسية، فاكتسبت خبرات كثيرة في فنون الإتيكيت وآداب الحديث والمشي.ورأت نجمة الأناقة أن الجمال والتعامل مع الآخرين لا يحتاج إلى دورس وخبراء، ولكن يحتاج إلى احترام الآخرين، ويمكن لأي فتاة وسيدة أن تكون أنيقة، إذا كان هناك احترام في التعامل، وكانت تردد دائماً أن «الجمال ليس بارتفاع التكاليف، لكنه يمكن أن يكون بأدناها، ويجب على الفتاة الاختيار السليم للملابس التي تعالج عيوب كل مرحلة حياتية، وارتداء الملابس النظيفة والمهندمة ذات الألوان المتناسقة التي تجذب نظرات من حولها باحترام”.كانت الجداوي من الفنانات القليلات اللواتي يبحثن عن الجمال الداخلي، وصفاء الروح، وتدريب النفس على البعد عن الأحقاد وتجنب الصراعات، وعدم التدخل في حياة الآخرين، والتركيز في العمل وتحقيق النجاح، ولم تخشَ من تقدّم السن وظهور التجاعيد، ولذا رفضت إجراء عمليات التجميل، وأدركت أن كل تجعيدة علامة في مشوار حياتها، ولا تدعو للخجل منها، وأن الجراحة التجميلية إذا أصلحت بعض خطوط الوجه، لن تنجح في إصلاح القلب الذي يعيش في شيخوخة.كاريوكا تعترف بموهبة رجاء قبل رحيلها بعامين
ظلت العلاقة متوترة بين رجاء الجداوي وخالتها الفنانة تحية كاريوكا، حين انتقلت للعيش مع والدتها بسبب ظروفها، وهنا كانت القطيعة التي استمرت نحو عامين، واتهمتها تحية بالجحود، لكن حينما مرضت «كاريوكا» ودخلت أحد المستشفيات، ذهبت رجاء ووالدتها إليها وجرى التصالح. وكانت كاريوكا تعارض دخول ابنة شقيقتها مجال الفن، ولم تُبدِ طوال حياتها رأيها في رجاء كممثلة إلا قبل وفاتها بعامين (1999)، وحينها قالت لها: «أنتِ ممثلة كويّسة (جيدة)، لكن في بدايتك كنتِ بتخرّجي الجُملة بشكل غريب»، وطلبت منها، حينما تقف أمام الكاميرا أن تتعلم وتسمع الجُمل الحوارية وتشعر بها ثم تُخرجها من لسانها.وجاء اعتراف كاريوكا بموهبة ابنة شقيقتها، بعد نحو 38 عاماً من دخول رجاء إلى عالم الفن بالمصادفة، حين ذهبت ذات يوم إلى منطقة وسط القاهرة لشراء هدية لوالدتها بمناسبة عيد الأم، وكان عمرها 15 عاماً، فتقابلت مع أحد الأشخاص الذي اقترب منها، وقال لها إنه يريدها في فيلم، لأنه يرى أن الكاميرا تحبها، فرفضت متعللة بأنها لا تحب التمثيل ولا تجيده، وإذا كانت تريد أن تدخل الوسط، فخالتها هي الفنانة تحية كاريوكا، وتستطيع أن تفعل ذلك، لكنه أصرّ على إعطائها رقم هاتفه، موضحاً لها رغبته في أن تحضر إلى مكتب المنتج رمسيس نجيب. وأخبرت رجاء والدتها بما حدث، فرفضت الأم تماماً دخول ابنتها مجال التمثيل، على الرغم من سوء ظروفهم المادية وقتها، ولكن بعد إلحاح من رجاء على الذهاب من أجل المال للمساعدة في أحوالهم الصعبة، وافقت الأم.وبالفعل، ذهبت رجاء إلى المنتج وتعاقدت بمبلغ خمسين جنيهاً مصرياً، ومن هنا كانت انطلاقتها الفنية، حيث شاهدها في أثناء تصويرها الفيلم المنتج سعيد صادق، ورشحها للعمل في فيلم «غريبة» مع الفنانة نجاة الصغيرة مقابل 100 جنيه، وبعدها شاركت في فيلم «دعاء الكروان» مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وأحمد مظهر وزهرة العلا والمخرج بركات، وجسدت من خلاله شخصية «خديجة» الفتاة الأرستقراطية ابنة المأمور.