التركيبة السكانية في اليونان كارثية
البيانات كارثية! على مر عشر سنوات متلاحقة، فاقت أعداد الوفيات حجم الولادات في اليونان، حيث وُلِد 931 ألفاً و884 شخصاً بين العامين 2011 و2020، مقابل وفاة مليون و198 ألفاً و502 خلال الفترة نفسها، مما أدى إلى تراجع سكاني واضح بمعدل 266 ألفا و618 نسمة.بدأت اليونان تسجّل وفيات تفوق الولادات على مر ست سنوات متلاحقة بين العامين 1998 و2003، مع أن الفجوة حينها كانت أصغر حجماً، فلطالما كانت أسباب هذه الظاهرة محط جدل، لكن من الضروري أن يجد البلد حلاً للمشكلة في أسرع وقت ممكن.إذا سارت الأمور على ما يرام (مع أن تجربة البلد بين العامين 2009 و2010 وتداعيات وباء كورونا لا تدعو للتفاؤل)، يُفترض أن تعود اليونان إلى ما كانت عليه قبل 25 سنة بحلول عام 2031، لكن سيخسر البلد في الوقت نفسه جيلاً كاملاً.
لن يكون النمو الاقتصادي كافياً، بل يحتاج البلد أيضاً إلى سياسات واضحة، ويجب أن تكون هذه المقاربة مزدوجة، فتهدف إلى زيادة أعداد الشباب المقيمين في البلد (بغض النظر عن أصلهم الوطني)، وتضمن ألا يشعر هؤلاء الأشخاص بانعدام الأمان لدرجة أن يمتنعوا عن إنجاب الأولاد.يجب أن تؤمّن الدولة في المقام الأول التمويل اللازم للفئة الشابة عموماً بدل تأمين الأموال لمجموعات فرعية صغيرة من الشباب، فذلك يعني ذلك تأمين الأموال النقدية وهذا ما يُرجِعنا إلى فكرة الحد الأدنى المضمون للدخل، وعلى الحكومة أن تقدم مبلغاً مالياً ثابتاً (بين 300 و350 يورو لكل فرد شهرياً) للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة ويُفترض أن تكون هذه الهبة غير مشروطة. يضمن هذا المبلغ كرامة الناس ويمنحهم الوقت الذي يحتاجون إليه ويعطيهم خيارات متنوعة.ثانياً، يجب أن تتخذ الحكومة خطوات فاعلة لتأمين فرص عمل جيدة للشباب، وتحرّك الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه خلال السنوات الأخيرة، لكن لم تقم اليونان بالمثل، فحتى الآن، تعاملت الطبقة الحاكمة مع هذا الملف عبر تأمين وظائف مؤقتة ومنخفضة الأجر، وغالباً ما تنحصر فرص العمل في قطاع الطعام أو السياحة، فلا تهتم الحكومة بسوء الرواتب وغياب التأمين، إلا إذا تعلّقت المسألة طبعاً بأبناء أصدقاء المسؤولين أو أعوانهم الذين يستحقون وظائف تتماشى مع "مؤهلاتهم". لا تزال فئة الشباب حتى الآن ضحية الاقتصاد اليوناني، لكن الأموال التي يقدمها صندوق التعافي في الاتحاد الأوروبي تشكّل فرصة ذهبية لتغيير هذا الوضع. ثالثاً، يجب أن تجذب اليونان المهاجرين وعائلاتهم أو أفراداً من فئة الشباب، ولن يأتي هؤلاء طبعاً من دول مثل سويسرا أو النروج بل من بلدان نامية وفقيرة، فقد أسهم المهاجرون القادمون من البلقان في إعادة إحياء الريف اليوناني وأعادوا التوازن إلى معدل الولادات نسبةً إلى الوفيات بين العامين 1990 و2000، فقد كانت عودة جزء كبير من هؤلاء الناس إلى بلدانهم الأم لاحقاً خسارة حقيقية لليونان.في الوقت نفسه، يجب أن تفتح اليونان مؤسساتها الجامعية أمام الطلاب الأجانب، ويُفترض أن يشكّل هؤلاء بين 10 و20% من مجموع الطلاب الجامعيين، فقد يساعد الطلاب الأجانب نظراءهم اليونانيين في توسيع آفاقهم، وقد يقرر عدد كبير منهم البقاء في اليونان في نهاية المطاف وتقديم مساهماتهم لهذا البلد.أخيراً، يجب أن تطبّق اليونان تدابير منفتحة قبل فوات الأوان، وإلا سيصبح حجم الأضرار هائلاً خلال بضعة عقود.قال الفيلسوف الإيطالي، أنطونيو غرامشي، يوماً: "العالم القديم يُحتضر، والعالم الجديد يكافح لإطلاق ولادة جديدة: إنه زمن الوحوش". لم يكن غرامشي يتكلم عن النزعات السكانية، بل ينطبق تعليقه أيضاً على ظروف تشبه الوضع القائم اليوم.