بدأت مجموعات متزايدة من المسؤولين والخبراء في الولايات المتحدة تدقّ ناقوس الخطر حول احتمال حصول هجوم صيني ضد تايوان، حيث اعتبر الأميرال فيليب س. ديفيدسون، القائد الأميركي في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، أن التهديد بإطلاق هجوم صيني على تايوان "بات واضحاً خلال هذا العقد، وتحديداً في السنوات الست المقبلة"، ووفق هذا المنطق، تستعد الصين لغزو تايوان وضمّها بالقوة حالما تحشد القدرات التي تحتاج إليها لتنفيذ هذه الخطة، لكن يسهل التشكيك بهذه التوقعات التشاؤمية.

أصبحت التحركات الصينية تحت المجهر بكل وضوح، ففي السنوات الأخيرة، زادت عدائية بكين سعياً إلى تحقيق طموحاتها. فخاضت الصين صراعاً دموياً على طول الحدود الهندية المتنازع عليها، وهددت فيتنام، ووسعت وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي، وكثّفت عملياتها بالقرب من جزر سينكاكو، ودمّرت استقلالية هونغ كونغ، ولا ننسى الأعمال الوحشية التي ترتكبها ضد مواطنيها في "شينجيانغ" وأماكن أخرى.

Ad

بدأت بكين تزيد استثماراتها أيضاً في القدرات العسكرية التي يمكن استعمالها في الحالات الطارئة في تايوان، وزادت الصين عمليات بناء السفن البحرية في السنوات الأخيرة، وتجاوزت بذلك القوات البحرية الأميركية على مستوى عدد الهياكل التي بَنَتها. وفق تقديرات روبرت س. روس من كلية بوسطن، تملك البحرية الصينية راهناً أكثر من 300 سفينة، بينما يقتصر عدد السفن في البحرية الأميركية على 280.

تعمل الصين على حشد كامل قدراتها لتكثيف الضغوط على تايوان لكن من دون بلوغ مرحلة الصراع الشامل. تنشط قوات جيش التحرير الشعبي راهناً في أنحاء تايوان، وهي تنفذ أيضاً تدريبات هجومية برمائية تحظى بتغطية إعلامية واسعة وتخترق منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية بوتيرة غير مسبوقة منذ 25 سنة.

زادت عدائية بكين تجاه تايوان حين لاحظت أن إدارة ترامب كثّفت دعمها للحكومة التايوانية، مما أدى إلى تلاشي فرص رضوخ تايبيه للمطالب الصينية، فأطلق المسؤولون في فريق ترامب مبادرات في المجالات الدبلوماسية والأمنية وزادوا ثقة تايوان بنفسها. ثم أثبتت إدارة بايدن في بداية العهد الرئاسي الجديد أنها تنوي متابعة دعم تايوان على نطاق واسع.

رغم التوجهات المقلقة التي يوحي بها السلوك الصيني، يخطئ من يعتبرها تمهيداً لكارثة حتمية. تعطي الصين الأولوية لكبح استقلالية تايوان اليوم وفي المستقبل المنظور بدل ضمّ البلد إليها بالقوة. لا تزال بكين واثقة بقدرتها على تحقيق هذا الهدف على المدى القريب تزامناً مع تهيئة الأجواء لإعادة توحيد تايوان مع الصين على المدى الطويل. بناءً على استطلاعات رأي حول المواقف من الجهود الدفاعية الحاصلة، يبدو أن الشعب التايواني يدرك منذ الآن مخاطر التمسك بالاستقلال.

استعمل القادة الصينيون خطابات لاذعة، مع أن جزءاً منها كان مبالغاً فيه، فقد بالغ البعض في تقدير أهمية موقف الرئيس شي جين بينغ حين تكلم عن عدم نقل الانقسامات على طول المضيق إلى الأجيال المستقبلية، إذ سبق أن عبّر كل زعيم صيني منذ عصر ماو تسي تونغ عن رغبته في توحيد تايوان وبر الصين الرئيسي، ولا يختلف شي جين بينغ عن أسلافه. يبلغ هذا الأخير 67 عاماً اليوم ولن يكون شاهداً على ضم تايوان على الأرجح حين تنتهي المهلة المفترضة، أي في الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 2049.

استنتج البعض في الصين أن الوقت لم يعد في مصلحة بكين، لذا يجب أن يستعمل الصينيون القوة لضم تايوان، لكن رفض شي جين بينغ هذا النوع من الضغوط، فوفق أحدث خطة طُرِحت هذه السنة وتمتد على خمس سنوات، أعادت بكين التأكيد على ضرورة إحداث تطور سلمي للعلاقات العابرة للمضيق ومتابعة مسار يعود إلى عصر الرئيس الصيني هو جينتاو بين العامين 2003 و2013.

تملك بكين أسبابها الخاصة لتجنب الحرب، أبرزها احتمال اندلاع صراع مسلّح مع الولايات المتحدة إذا حاولت استرجاع تايوان بالقوة، إذ سيكون منع تصاعد ذلك الصراع أو تمدده إلى ما وراء مضيق تايوان بالغ الصعوبة.

في ظل هذه الظروف، لا يمكن أن تحقق بكين انتصاراً مؤكداً ولا مفر من أن تضعف شرعية الحزب الشيوعي الصيني محلياً إذا لم تنجح بكين في ضم تايوان بوتيرة سريعة ونهائية، كذلك سيؤدي استعمال القوة ضد تايوان إلى تضرر صورة الصين في المنطقة والعالم أجمع، وتنبيه الدول المجاورة حول التهديدات التي تطرحها الصين على الاستقرار، وتغيير وجهة الموارد وتلاشي التركيز على المسائل المحلية المُلحة التي يعطيها شي جين بينغ الأولوية.

نظراً إلى سلبيات هذه الخيارات، ليس مفاجئاً أن تختار الصين مساراً مختلفاً، ففي السنوات الأخيرة، استعملت بكين مجموعة واسعة من الأدوات لكبح استقلال تايوان وإضعاف رغبة الشعب التايواني في مقاومة مساعي ضم تايوان إلى بر الصين الرئيسي.

استهدفت الصين تايوان اقتصادياً، وحاولت ترسيخ ظاهرة هجرة الأدمغة عبر جذب أهم المهندسين التايوانيين إلى بر الصين الرئيسي، وعزلت تايوان على الساحة العالمية، وأجّجت الانقسامات الاجتماعية داخل تايوان، وأطلقت اعتداءات إلكترونية، واستعرضت قوتها العسكرية.

تريد بكين بهذه الطريقة أن تُذكّر الشعب التايواني بقوتها المتزايدة، وتنشر أجواءً تشاؤمية حول مستقبل تايوان، وتُعمّق الانقسامات داخل النظام السياسي التايواني، وتثبت عجز القوى الخارجية عن مواجهة تحركاتها.

ترتكز مقاربة بكين على المقولة الصينية الشائعة: "الثمرة تسقط من جذعها تلقائياً حين تنضج"، فقد تتطلب هذه الاستراتيجية وقتاً يفوق زمن الحرب، لكن ستتراجع التكاليف والمخاطر التي تتكبدها بكين على الأقل.

أسلوب الإكراه الخالي من العنف ليس مجرّد تهديد بل واقع يومي، تطرح الصين تهديداً واضحاً على تايوان، لذا يجب أن تقوي واشنطن وتايبيه قدراتهما لمنع اندلاع الحرب، لكنّ التهديد الوشيك ليس عسكرياً فحسب بل نفسياً أيضاً.

ستستفيد بكين حتماً من المبالغة في تقييم التهديدات التي تطرحها على تايوان، لذا يحتاج الشعب التايواني إلى استرجاع الثقة بمستقبله بدل تذكيره بنقاط ضعفه طوال الوقت.

إذا أراد صانعو السياسة الأميركية مساعدة تايوان، فيجب ألا يكتفوا بالتركيز على التهديد العسكري، بل من الأفضل أن يجددوا العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وتايبيه، ويساعدوا تايوان على تنويع روابطها التجارية، ويقدموا لها المنصات اللازمة لاكتساب الاحترام والكرامة على المستوى العالمي.

لا مفر من أن يركّز جزء من هذه الجهود على المسائل الأمنية، لكنها بداية الخطوات الضرورية لا نهايتها، ستعترض بكين على هذا التوجه طبعاً، لكن سيكون التركيز على المبادرات الاقتصادية والدبلوماسية جزءاً راسخاً من "سياسة الصين الواحدة" التي تكلمت عنها الإدارات الأميركية المتلاحقة.

ريتشارد بوش وبوني غلاسير وراين هاس- NPR