السعادة في زمن «كورونا»
بعيداً عن السياسة التي وصلنا فيها إلى سكة سد، شيء مُفرح أن أرى بناتنا وأبناءنا من الشباب الصغار ومتوسطي العمر يظهرون للمرة الأولى في الشارع إما مشياً على الأقدام بقصد الرياضة أو السير بالسكوتر الكهربائي وبسرعات معقولة لا تؤدي لحوادث، المهم أن هذه الأعمار قامت بثورة احتجاج عملية فخلقت عالم سعادتها بيدها ونحتت في واقعنا المتكلس الكئيب دوائر للفرح والتسلية.يجب النظر لهذه الظاهرة بعمق فقد حققت تواصلا اجتماعيا بين شباب المناطق والأحياء، والأهم أنها انتزعت أطفالنا وشبابنا من التوحُّد ومن الإدمان على الموبايلات والأيبادات والألعاب الإلكترونية ومن الانزواء في الغرف والانطواء على النفس والذوبان في عالم النت بأفلامه وبرامجه وامتصاصهم كل الأفكار والثقافات والمفاهيم التي تولد لديهم قناعات وقيما تخلعهم من ثقافة مجتمعهم وقيمه الدينية والمجتمعية، وربما تقذفهم في تلافيف ثقافات متوحشة خطيرة تسلبهم الإرادة وتبرمجهم على الجريمة، ناهيكم عن اقتناصهم من الجماعات الإرهابية التي تغسل أدمغتهم بفكر إرهابي يدفعهم لقتل والديهم وإخوانهم وأبناء مجتمعهم لأنهم كفرة وينخرطون في شبكات إرهابية منظمة تجندهم لأعمال الشر والقتل.كل هذا لأن أبناءنا حرموا من ساحات وباحات اللعب الترابية والاندماج في علاقات اجتماعية مع أبناء حيِّهم وجيرانهم، حيث الإحساس بالمتعة في اللعب الجماعي، وأنا شخصياً أرى أن الطفل لابد أن ينشأ في أحضان التراب، وقد وجدت في إحدى دول الخليج في أثناء تجربة لمعرفة ميول الأطفال تفضيل الأطفال اللعب في التراب عن الأراضي المزروعة أو المُبلَّطة، وللأسف انعدم التراب تحت شوارع الإسفلت فلا وجود لاستغلال الساحات الفضاء بل لا يوجد أثناء تصميم المدن ومناطق السكن أي اعتبار لحاجة الطفل لوجود المراحات (البرايح) التي يجب أن يتوافر لها سياجات وممرات الحماية والأمان لكي تكون محاضن للنشأة السويَّة للأطفال والشباب، ولا داعي لزراعتها بل يكفي أن تُكسى بالرمل المغسول سواء كانت باحات للأطفال أو ملاعب رياضية.
وقد اقترحت في مقالات سابقة بأن تبنى مدن قرب سواحل البحر بعد إزاحة الشاليهات والتعديات على السواحل، وأن يكون هناك شارع فاصل بين العمارات والبحر وتحت الشارع الفاصل تكون أنفاقا تؤدي للشاطئ، وأقترح الآن أن يكون الشارع أو الكورنيش فقط لسيارات الطوارئ والسكوترات والدراجات الهوائية، وتقام أماكن اللعب على الشواطئ مع قيام الشباب الطموح بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة من مقاه ومطاعم وأماكن تسلية على الشواطئ. بهذا سنحقق مبدأ السعادة الذي خصصت له وزارة في دبي وسنخلق أقصى حدود المتعة بالألعاب لمختلف الأعمار وتوجيه طاقة العمل والاستثمار الشبابية في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وربما يسهم ذلك في البقاء في البلد وعدم الحاجة للسفر وإعادة غرس الكويتي في بيئة ومتعة البحر فضلا عن أن هذه الأجواء لن تسمح ببروز العقد والأمراض النفسية التي برزت صورها البشعة في وجود شخصيات شاذة عدوانية ترتكب الجرائم بدم بارد، وربما تلاشي التعاطي للمخدرات.كل ما أخشاه أن تتم إعادة أطفالنا وشبابنا لبيت الطاعة الكئيب ويُقضى على هذه الظاهرة بدل تشجيعها وحمايتها من سيارات المستهترين في الشوارع، ولابد من الرقابة الشديدة وفرض أقصى العقوبات على المستهترين ومتجاوزي السرعة في المناطق الداخلية، ولتشجيع واستمرار هذه الظاهرة أتمنى أن تكون هناك حارة مخصصة للدراجات والسكوترات، ووضع المطبات للحد من سرعة السيارات وتوفير الحد الأعلى من الأمان، فهل يتم تحقيق هذا الحلم أم سيظل هو الآخر تحت ثقل عُقد أصحاب العقول المتحجرة وأعداء السعادة؟