في جوهر ممارسته السياسية، يعتمد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون نقطتين أساسيتين تتكاملان فيما يخص الحكم والحكومة، واضعاً المعادلة التالية: «إما أن تتشكل حكومة كما أريد وأحكم من خلالها، أو سأحكم كما أريد من دون حكومة». هذه العبارة المفتاحية تعبّر بوضوح عن تفكير عون، وقد ظهرت بوضوح في ثلاث خطوات شهدتها الساعات الأخيرة؛ الخطوة الأولى: مُضيه في توفير الدعم والغطاء السياسي والعسكري الكامل للقاضية غادة عون، في اقتحام شركة «مكتف» لتحويل الأموال. والخطوة الثانية: دعوته إلى عقد اجتماع أمني في قصر بعبدا برئاسته، لمواكبة ومتابعة هذه القضية.
أما الخطوة الثالثة فكانت من خلال زيارة رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل إلى الصرح البطريركي في بكركي، للقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي، عشية اللقاء الذي عقد في الفاتيكان بين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري والبابا فرنسيس.يقول عون، من خلال هذه المحطات الثلاث، إنه صاحب الحكم، وإذا أراد الحريري تشكيل حكومته فيجب أن تكون منسجمة مع طروحاته وتوجهاته. وفي ملف القاضية عون، يريد الرئيس اللبناني تعزيز شعبيته المسيحية، من خلال الادعاء بأنه يفتح ملفات الفساد عبر القاضية المحسوبة عليه، لمعرفة مهرّبي الأموال، وليقول للبنانيين إنه يدعم محاسبة المسؤولين عن أزمتهم المالية، وذلك رغم أن التحرك أدى إلى حصول نزاع قضائي وهشم ما تبقى من صورة القضاء محلياً وخارجياً. وتؤكد مصادر أمنية أن ما جرى أمام شركة «مكتّف» أدى إلى نزاع بين الأجهزة الأمنية، إذ إنها جميعها رفضت مواكبة تحرك القاضية عون، ونأت بنفسها عن مواجهتها أيضاً. ففي الوقت الذي توجهت فيه القوة الضاربة في شعبة المعلومات، التابعة لقوى الأمن الداخلي، لإبعاد المتظاهرين الداعمين لتحرك القاضية عن مقر «مكتف»، كان رئيس الجمهورية يطلب من أحد الألوية العسكرية تأمين خروجها والحصول على ما تحتاج إليه من مستندات أو أجهزة إلكترونية تخدمها في تحقيقها. وبحسب ما تكشف مصادر أمنية، فإن الأجهزة الأمنية رفضت الاستمرار في مواكبة تحركات القاضية عون، خوفاً من حصول مساءلات لاحقاً، وهو الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية إلى عقد اجتماع أمني لكل رؤساء الأجهزة الأمنية، والتشديد أمامهم على ضرورة مواكبة ما يجري، كما أنه أبدى استياءً من الحملات الإعلامية التي تشن ضده، وحاول في الوقت نفسه إعادة تكوين موقف داعم له من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية.وبحسب ما تؤكد مصادر أمنية متابعة للتحقيق، فإنه حتى الآن لم تتمكن القاضية عون من الحصول على أي مستند أو وثيقة يثبت ما تريد إثباته حول عملية تهريب الأموال، وفي حال بقي الوضع على ما هو عليه تكون قد خاضت معركة بلا أي نتيجة.بناء على هذه الخطوات يعمل عون على جعل القضاء، أو جزء منه، في صفّه، مقابل تهميش أو القفز فوق القرارات القضائية التي لا تناصره أو تؤيده، والأمر نفسه يفعله مع الأجهزة الأمنية والعسكرية، لينتقل فيما بعد إلى السياسة من خلال توجيه رسائل إلى الحريري بأنه في حال لا يريد تشكيل الحكومة، فإنه قادر على إدارة شؤون البلد من دون الحاجة إلى الحكومة. ومن هنا تمسك باسيل خلال زيارته للبطريرك الماروني بشارة الراعي بعدم تنازله للحريري، معلناً بشكل ضمني أن الحكومة لا تتشكل إلا بالمرور من خلاله، وأن الحلّ في لبنان وليس في الخارج، وأنه لن يرضخ لكل الضغوط التي يحاول الرئيس المكلف استدراجها من المجتمع الدولي.لعب عون وباسيل مجدداً لعبة شد العصب المسيحي، من البوابة القضائية، والسياسية، والأمنية، وفي عملية تشكيل الحكومة، للرد فقط على حركة الحريري الخارجية ولقائه مع البابا، إذ تكشف المعلومات أن اللقاء كان إيجابياً وركز على حقوق اللبنانيين لا المسيحيين، مع الإصرار على الحفاظ على العيش المشترك والمناصفة في الدولة، وعدم اختزال المسيحيين بطرف واحد يمثله عون وباسيل. مشاهد الانقسام ستتكرس أكثر في المرحلة المقبلة، كما أن مشاهد النزاعات القضائية والسياسية والأمنية ستتكرر في محطات واتجاهات متعددة، وخلاصتها أن عون يخوض معركة وجودية تحت عنوان «عليّ وعلى أعدائي».
أخبار الأولى
عون يخوض معركة ثلاثية: سأحكم بحكومة أو من دونها
23-04-2021