المقاول الشجاع يلقى حتفه على يد «ديلر المخدرات»
الجاني يتقمص شخصية محمود عبدالعزيز في فيلم «إبراهيم الأبيض»
وقعت أحداث تلك الجريمة في شهر رمضان العام الماضي، وراح ضحيتها شاب في مقتبل العمر جزاء شهامته، وتمكنت الشرطة المصرية من القبض على «شندي» تاجر المخدرات، وأدلى باعترافات خطيرة حول دوافعه لقتل جاره «المقاول» والشروع في قتل والد المجني عليه، وقررت النيابة حبس المتهم على ذمة القضية، تمهيداً لمثوله أمام محاكمة عادلة.
ترك مصرع المقاول الشاب أثراً دامياً في قلوب أفراد أسرته، ولا يزال أهالي حي «دار السلام» جنوبي القاهرة، يتذكرون شجاعة «أحمد» في مواجهة «شندي» تاجر السموم، وكان المتهم قد تشاجر معه قبل يومين من ارتكاب جريمته، وقرر الانتقام منه لأنه اعترض على تعاطي وبيع المخدرات أمام المسجد المغلق ـ آنذاك ـ بسبب جائحة كورونا، وافتعل مشاجرة مع والد الضحية، وأسرع أحمد لنجدة والده، فباغته المتهم بعدة طعنات من الخلف، وأرداه قتيلاً، وفر هارباً من مسرح الجريمة.تكمن فداحة تلك الجريمة في أنها وقعت في أحد ليالي شهر رمضان، وشغلت الشارع المصري في ذلك الوقت، وتمكنت الشرطة من القبض على المتهم في وقت قياسي، ومواجهته بالأدلة وأقوال الشهود، ووجهت إليه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وأدلى شندي باعترافاته قائلا: «أنا قتلت المقاول، وكنت سأقتل أبيه لأنهم شتموني وأنا أبيع المخدرات”.
خطة الشيطان
اعتاد أحمد في أيام شهر رمضان أن يخرج إلى عمله في الصباح، والعودة قبل موعد الإفطار بعدة دقائق، وذات يوم رأى شندي واقفاً مع أصدقائه، وهم يبيعون المواد المخدرة بجوار المسجد المغلق بسبب جائحة كورونا، ونصحه بمراعاة حرمة الشهر الكريم، واحتدم بينهما الخلاف، وتدخل الأهالي للفض بينهما، وتوعده «الديلر» بالانتقام لصديقه الذي قبضت عليه الشرطة، واتهمه بأنه أبلغ عنه، ولن يتركه يهنأ بحياته.وأخذ شندي يفكر في خطة شيطانية للانتقام من أحمد، وقرّر أن يباغته في وقت السحور، في أثناء خلو الشارع من المارة في تلك الساعة، وأقنع أصدقاءه بخطته، وأن سجن صديقهم تاجر المخدرات، لا يجب أن يمر من دون عقاب، وإذا لم يردعوا هذا الشاب، سيفقدون هيبتهم في المنطقة، ويصبح اقتيادهم سهلاً واحداً تلو الآخر، ويلحقون بصديقهم خلف القضبان. وبعد يومين نفذ المتهم وأصدقاؤه جريمتهم في موعد السحور، وحينها استيقظ أحمد من نومه في منتصف الليل على صوت صراخ ينبعث من أمام منزل والده المجاور له في المنطقة، وعلى الفور هرع إلى مكان الصوت، ليجد والده الحاج حسن غارقاً في دمائه وشقيقه محمود وسط عشرة أشخاص محيطين به ويقومون بالاعتداء عليه، وأثناء ذلك حاول إنقاذهما، لكن المتهم كان يترصد له خلف جدران أحد المنازل وسدّد له طعنة نافذة في جنبه الأيسر وأخرى نافذة في فخذه وثالثة في القلب، حتى سقط جثة هامدة على الأرض.وعلى الفور تجمع أهالي المنطقة، وحملوا المجني عليه داخل سيارته وهرعوا به إلى المستشفى، وفي غرفة العمليات حاول الأطباء إسعافه، ومر الوقت بطيئاً والأهالي ينتظرون في قلق، حتى خرج إليهم الطبيب وأخبرهم أنه حاول على قدر الإمكان بصحبة الطاقم الطبي إنقاذه ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، وهوت الكلمات كالصاعقة على أسرة القتيل، وتصاعدت في أرجاء المستشفى أصوات بكاء وبعد لحظات قليلة وضع الأطباء الجثة داخل ثلاجة الموتى تحت تصرف النيابة العامة.المكالمة الصادمة
مرت ساعة تلو الأخرى، والقلق يعصف بكيان زوجة أحمد، فلم تعلم بما حدث في المستشفى، ولم تستطع الذهاب إلى هناك من أجل أطفالها، ولكن عقلها ظل يفكر وأعصابها تنهار دقيقة تلو أخرى، وأمسكت بالهاتف الجوال وبدأت تقلب به فوقع نظرها على رقم شقيق زوجها، وحاولت الاتصال به عدة مرات لكنه لم يرد، وفي المرة الأخيرة من الاتصال أخبرها قائلاً: «أنا مش عارف أقول لك إيه، أحمد مات الله يرحمه، ربنا يجعله من أهل الجنة.. مات في شهر كريم وأيام مفترجة”.انتهت المكالمة، وسقط الهاتف من يدها، وكاد قلبها يتوقف من هول الصدمة، وخارت قواها، وهوت على الأرض، ودخلت في نوبة بكاء هيستيري، بينما أطفالها الثلاثة «عبدالرحمن وعمر وفاطمة» يحيطون بها وقد استبد بهم الخوف، وعيونهم البريئة تذرف الدموع في صمت، وسألها طفلها الصغير عمر: «ماما إيه اللي حصل؟.. انا مش هشوف بابا تاني هو خلاص بابا مات؟”. جلست الزوجة ذاهلة، ويداها تحتضنان أطفالها الثلاثة، بينما توافدت جاراتها لمواساتها، وفي ذلك الوقت انتشرت قوات الشرطة في أنحاء المنطقة، وتمكن ضباط قسم شرطة السلام من إلقاء القبض على المتهم الرئيسي محمود شندي ومعاونيه في ارتكاب الجريمة، واقتيادهم إلى قسم الشرطة للتحقيق المبدئي، وتحويل المتهمين إلى النيابة العامة، واعترف المتهم بجريمته، وأمرت النيابة بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات.طعنات غادرة
وتتابعت اعترافات المتهم في محضر الشرطة، بقوله إنه تشاجر مع القتيل قبل الجريمة بيومين بسبب توبيخ الضحية له أثناء تعاطيه وبيعه المواد المخدرة بصحبة أصدقائه، وفي يوم الجريمة تعمّد الوقوف أمام منزل والد المجني عليه وأحضر المخدرات فخرج والد القتيل وتشاجر معه، فتعدى عليه بالضرب، وعقب حضور ابنه قام بذبحه وتسديد عدة طعنات متفرقة بجسده.بدأت تفاصيل تلك الجريمة المروعة، عندما تلقى قسم شرطة السلام إخطاراً من مستشفى السلام التخصصي، بوصول جثمان المقاول المجني عليه، ووصول والده مصاباً بجروح، وانتقل فريق من المباحث إلى المستشفى، وبسؤال الشهود أقروا بأنه على إثر ضبط أحد أصهار المتهم «شندي»، قبل الواقعة بأيام، لاتهامه بالإتجار في المواد المخدرة، جاء المتهم أسفل مسكن المجني عليهما، وقام بسب سائر العائلة متوعداً إياهم بالتعدي عليهم، وباستطلاع الأب وشقيق المتوفى الأمر تعدى المتهم على الأب بسلاح أبيض قاصداً قتله، فأحدث إصابته، وتمكن الأهالي من إبعاده عنه.وتلقت النيابة العامة تحريات المباحث، التي أكدت ارتكابَ المتهم الواقعة، إثر ضبط أحد أصهاره لاتهامه بالإتجار في المواد المخدرة، ظناً أن المجني عليهما تسببا في ضبطه بإبلاغهما عنه، فعقد عزمه على قتلهما، وأعدَّ لذلك سلاحاً أبيض «سكيناً»، وتوجه إلى مسكنهما، ونادى عليهما بالسباب والوعيد، ثم جرت الواقعة على نحو ما شهد به الشهود، فقتل المتهم المجني عليه وشرع في قتل والده.واستجوبت النيابة العامة، المتهم، فأنكر قصده قتل المجني عليه، وأقر بإحداثه إصابته التي أودت بحياته لشجار نشب بينهما ادعى أن سببه تعدي المجني عليه على زوجته بالقول، فانتقم منه لذلك.وناظرت النيابة العامة جثمان المجني عليه، فتبينت ما به من إصابات، وعاينت مسرح الحادث، وأثبت تقرير مصلحة الطب الشرعي أن وفاة المجني عليه سببها إصابة طعنية بفخذه الأيسر مزقت كامل أوعيته الدموية الرئيسية، فأحدثت نزيفاً دموياً أدى إلى الوفاة، وكذا أثبت التقرير إصابات قطعية حيوية أخرى به، وإصابة قطعية بوالده، حدثت جميعُها من المصادمة بجسم صلب ذي حافة حادة، وأن الواقعة جائزة الحدوث من مثل التصوير الوارد بأقوال الشهود، وفي ختام التحقيقات التي اكتملت بجمع الأدلة الفنية والقولية في القضية، أحالت النيابة شندي إلى المحاكمة الجنائية.وذكر شقيق المجني عليه في تحقيقات النيابة، أنه وقعت مشاجرة بين والده وبين المتهم محمود شندي، حيث وجه خلالها طعنة في الفخذ أصيب فيها بـ10 غُرز، وأن المتهم صرخ في الأهالي عقب ارتكاب الجريمة، وتقمص شخصية محمود عبدالعزيز في فيلم «إبراهيم الأبيض»، وقال: «حد عايز يموت؟ حد له شوق في حاجة؟ أنا قتلت أحمد حسن وخلصت عليه”!وبعدها سمع الشقيق الأكبر (المجني عليه) صوت صراخ والده، فهرول مسرعاً إليه ليجده ملقياً على الأرض غارقاً في دمائه، وفي أثناء ذلك وجه المتهم طعنة نافذة للشقيق فلقي حتفه.وتابع شقيق المجني عليه: «كان المتهم يتعاطى المواد المخدرة أمام باب المسجد في المنطقة، وأسفل منزل والده وكان شقيقي يطلب من المتهم وأصدقائه الابتعاد عن المسجد والمنطقة عند تعاطي مخدر (الاستروكس)، وانتهز فرصة إغلاق المساجد بسبب جائحة كورونا، وحول باب المسجد إلى (دولاب للمخدرات)، وفي أحد الأيام ألقت الأجهزة الأمنية القبض على تاجر مخدرات صديق للمتهم، فظن أن شقيقي هو من قام بالإبلاغ عنه، فقرر الانتقام منه بقتله وسدّد له عدة طعنات في الصدر والفخذ ولفظ أنفاسه الأخيرة”.وذكر أيضاً أنه أثناء تواجده في مستشفى السلام، قبل أن يخبرهم الأطباء بوفاة شقيقه، حضر أحد الأشخاص من المنطقة وقال لهم إنه جاء من طرف أهل المتهم وأنهم مستعدون لدفع أي مبلغ مالي لأسرة المجني عليه، حتى إن وصل المبلغ إلى مليوني جنيه نظير عدم تحرير محضر بالواقعة وحل المشكلة ودياً، لكنهم رفضوا هذا العرض، وأصروا على تحرير محضر رسمي بالواقعة.وانتهي شقيق المجني عليه إلى أن شقيقه ترك ثلاثة أطفال وزوجة لا يوجد عائل لهم سوى الله، لأنه كان «عاملاً باليومية» وليس له أجر ثابت، ولم يكن له أي مشكلات مع أهالي المنطقة، وكان محبوباً من الجميع.وكان النائب العام المصري يتابع سير التحقيقات في القضية رقم 7213 لسنة 2020 جنح السلام أول، الخاصة بواقعة مقتل المجني عليه أحمد حسن أحمد رزق وإحداث إصابة والده بدائرة قسم شرطة السلام، والمتهم فيها محمود شاذلي وشهرته «شندي» وقد أمر بإنهاء التحقيقات واستعجال تقرير الطب الشرعي وإعداد الأوراق للتصرف لتقديم المتهم إلى محاكمة عاجلة.وجدّد قاضي المعارضات حبس «ديلر» مخدرات 15 يوماً على ذمة التحقيقات لاتهامه بقتل مقاول في منطقة السلام، بعد أن سدّد له طعنة نافذة في القلب وطعنة في الجانب الأيسر وأخرى في الفخذ، تمهيداً لمحاكمته.شهامة ابن البلد
وتتابعت أقوال جيران المجني عليه، وقال أحدهم إنه منذ عدة سنوات وقعت مشاجرة بينه وبين عائلة أخرى، فحضروا جميعاً إلى المنطقة وبصحبتهم أسلحة بيضاء، واجتمعوا تحت منزله، وفي تلك اللحظة لم يجد أحداً يقف بجانبه، حتى تدخل المقاول الشاب وقام بفض المشاجرة وإنهاء المشكلة.وذكرت إحدى جيران القتيل في أقوالها أن طفلها كان يعاني مرضاً، وفي ذلك التوقيت لم يكن زوجها موجوداً في المنزل، وطرقت باب شقة جارتها فخرج لها زوجها المقاول أحمد حسن فأخبرته بأن طفلها يشعر بمغص وتعب شديد في أمعائه، فأسرع بحمل طفلها وذهب به إلى المستشفى.وأجمع أهالي المنطقة على أن المجني عليه اعتاد أن يخرج من بيته كل صباح ليذهب إلى عمله، وعلاقته كانت طيبة بأهل المنطقة ودائماً يتردد على المسجد ولا يعرف سوى أهل الصلاح، ودائماً ما كان يمد يد العون للفقراء والمساكين والأيتام، وكان لا يتواني عن فعل الخير. وطالب أهالي المنطقة بسرعة البت في القضية وبالقصاص العادل من قاتل المقاول الشاب.
المتهم يحول باب الجامع بعد غلقه بسبب «كورونا» إلى «دولاب مخدرات»
الشرطة تتمكن من القبض على المتهم ومعاونيه في ليلة الجريمة
انهيار زوجة المجني عليه بعد سماع الخبر الأليم في مكالمة هاتفية
أسرة الضحية ترفض مليوني جنيه مقابل عدم تحرير محضر رسمي
الشرطة تتمكن من القبض على المتهم ومعاونيه في ليلة الجريمة
انهيار زوجة المجني عليه بعد سماع الخبر الأليم في مكالمة هاتفية
أسرة الضحية ترفض مليوني جنيه مقابل عدم تحرير محضر رسمي