التخلي عن أفغانستان خطأ تاريخي
![نيويورك تايمز](https://www.aljarida.com/uploads/authors/847_1707668941.jpg)
ففي شهر يناير وحده، قُتِل 239 عنصراً أفغانياً من قوى الأمن الموالية للحكومة و77 مدنياً على يد حركة "طالبان"، وفي المقابل خسرت الولايات المتحدة أقل من 20 عنصراً عسكرياً في السنة خلال اشتباكاتها العدائية في أفغانستان منذ 2015. إنها أحداث مأساوية بالنسبة إلى المتضررين مباشرةً لكنها حصيلة صغيرة مقارنةً بعدد الجنود الذين يسقطون خلال حوادث التدريب الروتينية حول العالم، فقد كان الدور الأميركي الأساسي في السنوات الأخيرة يقضي بمنح الجيش الأفغاني قوة جوية فاعلة، وهذا الثمن ليس باهظاً مقابل منع "طالبان" من تحقيق انتصار مباشر.في ما يخص روسيا والصين، هل ستستفيد أوكرانيا، التي تواجه الآن وضعاً شائكاً بعد حشد 150 ألف عنصر عسكري روسي على حدودها، من الانسحاب الوشيك من أفغانستان؟ وماذا عن تايوان التي تواجه أعمالاً عدائية متزايدة من الجانب الصيني؟ لا ترتكز نظرية الردع على ميزان القوى بكل بساطة، بل تتأثر أيضاً بمستوى المصداقية لدى الأطراف المعنية، فلن يُحقق الانسحاب من أفغانستان الآن أي تقدّم لتغيير ميزان القوى، لكنه قد يُمعن في استنزاف المصداقية الأميركية. سيُرسّخ الأميركيون بهذه الطريقة مقاربتهم القائمة منذ 50 سنة، من فيتنام إلى الصومال والعراق، فيثبتون مجدداً أنهم يطرحون خطورة على الأصدقاء بقدر الأعداء. وفق إحدى النظريات الشائعة، يُفترض ألا يكون تحمّل الأفغان مسؤولية الدفاع عن أنفسهم بعد عشرين سنة من التضحيات الأميركية طلباً غير منطقي، لكن السياسة الخارجية تتمحور أيضاً حول التعامل مع العالم بظروفه القائمة، لا بالشكل الذي يتمناه البعض، ففي أي عالم مثالي، ما كان القادة الأفغان ليفتقروا إلى الكفاءة، وما كانت النساء الأفغانيات ليتعرّضن لخطر دائم، وما كانت حركة "طالبان" لتقطع علاقاتها مع الإرهابيين الدوليين، وما كانت التحركات الأميركية في زاوية معينة من العالم لتؤثر على نظرة الناس إليها في أماكن أخرى.هذه الظروف التي يتمناها الكثيرون ليست موجودة في العالم الواقعي، لذا يجب أن يجد الأميركيون الطريقة المناسبة لتحقيق مصالحهم من دون خيانة قيمهم وأصدقائهم، لكنّ القرار الأميركي الكارثي حول أفغانستان في الأسبوع الماضي يفشل في هذا الاختبار على جميع المستويات.