ولما كانت الليلة الستين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، إن ضوء المكان سار في وسط الجيوش، وعن يمينه أخوه شركان، وعن يساره الحاجب صهره، ولم يزالوا سائرين مدة شهر، وكل جمعة ينزلون في مكان يستريحون فيه ثلاثة أيام، لأن الخلق كثيرة، ولم يزالوا سائرين على هذه الحالة حتى وصلوا إلى بلاد الروم، فنفر أهل القرى والضياع والصعاليك وفروا إلى القسطنطينية، فلما سمع أفريدون ملكهم بخبرهم قام وتوجه إلى ذات الدواهي، فإنها هي التي دبرت الحيل وسافرت إلى بغداد حتى قتلت الملك عمر النعمان، ثم أخذت جواريها والملكة صفية ورجعت بالجميع إلى بلادها.

Ad

نجدة أفريدون

فلما رجعت إلى ولدها ملك الروم وأمنت على نفسها، قالت لابنها: قر عيناً فقد أخذت لك بثأر ابنتك إبريزة، وقتلت الملك النعمان وجئت بصفية، فقم الآن وتوجه إلى ملك القسطنطينية، وأظن أن المسلمين لا يثبتون على قتالنا، فقال: امهلي أن يقربوا من بلادنا حتى نجهز أحوالنا، ثم أخذوا في جمع رجالهم وتجهيز أحوالهم، فلما جاءهم الخبر كانوا قد جهزوا حالهم وجمعوا الجيوش، وسارت في أوائلهم ذات الدواهي، فلما وصلوا إلى القسطنطينية سمع الملك الأكبر ملكها أفريدون بقدوم حردوب ملك الروم فخرج لملاقاته، فلما اجتمع أفريدون بملك الروم سأله عن حاله وعن سبب قدومه، فأخبره بما عملته أمه ذات الدواهي من الحيل، وأنها قتلت الملك النعمان، وأخذت من عنده الملكة صفية وقالوا أن المسلمين جمعوا عساكرهم.

وقالت: ان أفريدون قال لملك الروم: إن المسلمين جمعوا عساكرهم وجاؤوا، ونريد أن نكون جميعاً يداً واحدة ونلقاهم، ففرح الملك أفريدون بقدوم ابنته وقتل النعمان، وأرسل إلى سائر الأقاليم طالباً منهم النجدة، ويذكر لهم أسباب قتل الملك عمر النعمان، فهرعت إليه جيوش النصارى، فما مر ثلاثة أشهر حتى تكاملت جيوش الروم، ثم أقبلت الإفرنج من سائر أطرافها كالفرنسيس والنمسا ودوبره وجورنه وبندق وسائر عساكر بني الأصفر، فلما تكاملت العساكر وضاقت بهم الأرض من كثرتهم، أمرهم الملك الأكبر أفريدون أن يرحلوا من القسطنطينية فرحلوا، واستمر تتابع عساكرهم في الرحيل عشرة أيام، وساروا حتى نزلوا بواد واسع الأطراف، وكان ذلك الوادي قريباً من البحر المالح فأقاموا ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع أرادوا أن يرحلوا فأتتهم الأخبار بقدوم عساكر النعمان، فأقاموا فيه ثلاثة أيام أخرى.

تلاقي الجيشين

وفي اليوم الرابع رأوا غباراً طار حتى سد الأقطار، فلم تمض ساعة من النهار حتى انجلى ذلك الغبار، وتمزق إلى الجو، ومحت ظلمته كواكب الأسنة والرماح وبريق بيض الصفاح، وبان من تحته رايات إسلامية وأعلام محمدية، وأقبلت الفرسان كاندفاع البحار في دروع تحسبها سحباً مزررة على أقمار، فعند ذلك تقابل الجيشان والتطم البحران ووقعت العين في العين، فأول من برز للقتال الوزير دندان هو وعساكر الشام وكانوا عشرين ألفا، وكان مع الوزير مقدم الترك ومقدم الديلم رستم وبهرام في عشرين ألف فارس، وطلع من ورائهم رجال من صوب البحر المالح وهم لابسون زرود الحديد وقد صاروا فيه كالبدور السافرة في الليالي العاكرة، وصارت عساكر النصارى تنطبق على الوزير دندان ومن معه من عساكر الشام، وكان هذا كله تدبير العجوز ذات الدواهي، لأن الملك أقبل عليها قبل خروجه، وقال لها كيف العمل والتدبير وأنت السبب في هذا الأمر العسير، فقالت: اعلم أيها الملك الكبير والكاهن الخطير أني أشير عليك بأمر يعجز عن تدبيره إبليس ولو استعان عليه بحزبه المتاعيس، وهو أن ترسل خمسين ألفاً من الرجال ينزلون في المراكب ويتوجهون في البحر إلى أن يصلوا إلى جبل الدخان، فيقيمون هناك ولا يرحلون من ذلك المكان حتى تأتيكم أعلام جيش النعمان فدونكم وإياهم، ثم تخرج إليهم العساكر من البحر ويكونون خلفهم، ونحن نقابلهم من البر فلا ينجو منهم أحد وقد زال عنا العناء ودام لنا الهناء، فاستصوب الملك أفريدون كلام العجوز، وقال: نعم الرأي رأيك يا سيدة العجائز الماكرة ومرجع الكهان في الفتن الثائرة.

ليلة دامية

وحين هجم عليهم عسكر النعمان في ذلك الوادي لم يشعروا إلا والنار تلتهب في الخيام والسيوف تعمل في الأجسام، ثم أقبلت جيوش بغداد وخراسان وهم في مائة وعشرين ألف فارس وفي أوائلهم ضوء المكان، فلما رآهم عسكر الكفار الذين كانوا في البحر طلعوا إليهم من البحر وتبعوا أثرهم فلما رآهم ضوء المكان، قال: ارجعوا إلى الكفار وقاتلوهم، وأقبل شركان بطائفة أخرى من العساكر نحو مئة وعشرين ألفاً، وكانت عساكر الكفار نحو ستمئة ألف، فلما اجتمع الجيش ببعض قويت قلوبهم ونادوا قائلين: إن الله وعدنا بالنصر وأوعد الكفار بالخذلان، ثم تصادموا بالسيف والسنان واخترق شركان الصفوف وهاج في الألوف وقاتل قتالاً تشيب منه الأطفال، ولم يزل يجول في الكفار ويعمل فيهم بالصارم البتار وينادي الله أكبر حتى رد القوم إلى ساحل البحر، وكانت منهم الأجسام ونصر دين الإسلام، وقد قتل من القوم في ذلك الوقت خمسة وأربعون ألفاً، وقتل من المسلمين ثلاثة آلاف وخمسمائة، ثم إن أسد الدين الملك شركان لم ينم في تلك الليلة لا هو ولا أخوه ضوء المكان بل كانا يباشران الناس وينقذان المرضى ويهنئانهم بالنصر والسلامة والثواب في القيامة، هذا ما كان من أمر المسلمين.

لوقا والبخور المسحور

وأما ما كان من أمر الملك أفريدون ملك القسطيطينية وملك الروم وأمه العجوز ذات الدواهي فإنهم جمعوا أمراء العسكر، وقالوا لبعضهم: إنا كنا بلغنا المراد وشفينا الفؤاد ولكن إعجابنا بكثرتنا هو الذي خذلنا، فقالت لهم العجوز ذات الدواهي: إنه لا ينفعكم إلا البخور المسحور، وعاد الملك أفريدون بخواص بطارقته وأرباب دولته وبخرهم بالبخور المسحور، فلما بخرهم دعا بحضور لوقا بن شملوط وبخره بالرجيع، وكان ذلك الملعون لوقا ما في بلاد الروم أعظم منه ولا أرمى بالنبال ولا أضرب بالسيف ولا أطعن بالرمح والنزال، وكان بشع المنظر، طلعته طلعة الرقيب وقربه أصعب من فراق الحبيب، له من الليل ظلمته، ومن القوس قامته، ومن الكفر سميته، وبعد ذلك أقبل على الملك أفريدون، فقال الملك أفريدون: إني أريد أن تبرز إلى شركان ملك دمشق ابن عمر النعمان ونجلى عنا هذا الشر والهوان، فقال: سمعاً وطاعة.

شركان وجواده

ثم انصرف لوقا من عند الملك أفريدون، وركب الملعون لوقا جواداً أشقر وعليه ثوب أحمر وزردية من الذهب المرصع بالجواهر، وحمل رمحاً له ثلاث حراب كأنه إبليس الليل يوم الأحزاب، وتوجه هو وحزبه الكفار كأنهم يساقون إلى النار وبينهم مناد ينادي بالعربي، ويقول: يا أمة محمد لا يخرج منكم إلا فارسكم سيف الإسلام شركان صاحب دمشق الشام، فما استتم كلامه إلا وضجة في الفلا سمع صوتها جميع الملا، ففزع اللئام منها ولفتوا الأعناق نحوها، وإذا هو الملك شركان ابن الملك النعمان، وكان أخوه ضوء المكان لما رأى ذلك الملعون في الميدان وسمع المنادي التفت لأخيه شركان، وقال له: إنهم يريدونك فقال: إن كان الأمر كذلك فهو أحب إلي، فلما تحققوا الأمر وسمعوا هذا المنادي وهو يقول في الميدان لا يبرز إلا شركان علموا أن هذا الملعون فارس بلاد الروم، وكان قد حلف أن يخلي الأرض من المسلمين وإلا فهو أخسر الخاسرين، لأنه هو الذي حرق الأكباد وفزعت من سره الأجناد من الترك والديلم والأكراد، فعند ذلك برز إليه شركان كأنه أسد غضبان، وكان راكباً على ظهر جواد يشبه شارد الغزلان، فساقه نحو لوقا حتى صار عنده، وهز الرمح في يده كأنه أفعى من الحيات، وأنشد هذه الأبيات:

لي أشقر سمح العنان مـغـاير

يعطيك ما يرضيك من مجهوده

ومثقف لدن السنـان كـأنـمـا

أم المنايا ركبـت فـي عـوده

ومهند غـضـب إذا جـردتـه

خلت البروق تموج في تجريده

مصرع لوقا

فلم يفهم لوقا معنى هذا الكلام ولا حماسة هذا النظام، ثم أشرع الرمح نحو شركان، وكر عليه ثم طوح الحربة بإحدى يديه حتى خفيت عن أعين الناظرين وتلقاها باليد الأخرى كفعل الساحرين، ثم رمى بها شركان فخرجت من يديه كأنها شهاب ثاقب، فضجت الناس وخافوا على شركان، فلما قربت الحربة منه اختطفها من الهواء فتحيرت عقول الورى، ثم إن شركان هزها بيده حتى كاد يقصلها ورماها في الجو حتى خفيت عن النظر وتلقاها بيده الثانية في أقرب من لمح البصر، وصاح صيحة من صميم قلبه وقال: وحق من خلق السبع الطباق لأجعلن هذا اللعين شهرة في الآفاق، ثم رماه بالحربة فأراد لوقا أن يفعل بالحربة كما فعل شركان، ومد يده إلى الحربة ليختطفها من الهواء فعاجله شركان بحربة ثانية فضربه بها فوقعت في وجهه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار، فلما رأى الكفار لوقا بن شملوط وقع مقتولاً لطموا على وجوههم ونادوا بالويل والثبور واستغاثوا ببطارقة الديور، وأعملوا الصوارم والرماح وهجموا للحرب والكفاح والتقت العساكر بالعساكر وصارت الصدور تحت وقع الحوافر وتحكمت الرماح والصوارم وضعفت السواعد والمعاصم وكأن الخيل خلقت بلا قوائم، ومازال منادي الحرب ينادي إلى أن كلت الأيادي وذهب النهار وأقبل الليل بالاعتكار، وافترق الجيشان وصار كل شجاع كالسكران من شدة الضرب والطعان وقد امتلأت الأرض بالقتلى وعظمت الجراحات، وصار لا يعرف الجريح ممن مات، ثم إن شركان اجتمع بأخيه ضوء المكان والحاجب والوزير دندان، فقال شركان لأخيه ضوء المكان والحاجب: إن الله قد فتح باباً لهلاك الكافرين والحمد لله رب العالمين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

خطة بحرية

وفي الليلة الواحدة والستين بعد الستمئة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، ان ضوء المكان قال لأخيه: لم نزل نحمد الله لكشف الحرب عن العرب والعجم، وستتحدث الناس جيلاً بعد جيل بما صنعت باللعين لوقا محرف الإنجيل، وأخذك الحربة من الهواء وضربك لعدو الله بين الورى ويبقى حديثك إلى آخر الزمان، ثم قال شركان: أيها الحاجب الكبير والمقدام الخطير فأجابه بالتلبية، فقال له: خذ معك الوزير دندان وعشرين ألف فارس وسر بهم إلى ناحية البحر مقدار سبعة فراسخ، وأسرعوا في السير حتى تكونوا قريبين من الساحل، بحيث يبقى بينكم وبين القوم قدر فرسخين، واختفوا في وهدات الأرض حتى تسمعوا ضجة الكفار إذا طلعوا من المراكب، وتسمعوا الصياح من كل جانب، وقد عملت بيننا وبينهم القواضب، فإذا رأيتم عسكرنا تقهقروا إلى الوراء كأنهم منهزمون وجاءت الكفار زاحفة خلفهم من جميع الجهات حتى من جانب الساحل فكونوا لهم بالمرصاد، وإذا رأيت أنت علماً عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فارفع العلم الأخضر وصح قائلاً: الله أكبر واحمل عليهم من ورائهم، واجتهد في ألا يحول الكفار بين المنهزمين وبين البحر، فقال: السمع والطاعة واتفقوا على ذلك الأمر في تلك الساعة.

ثم تجهزوا وساروا، وقد أخذ الحاجب معه الوزير دندان وعشرين ألفاً كما أمر الملك شركان، فلما أصبح الصباح ركب القوم وهم مجردو الصفاح ومعتلون بالرماح وحاملون للسلاح، وانتشرت الخلائق في الربا والبطاح، وصاحت القسوس وكشفت الرؤوس وقصدوا الساحل من كل جانب، وأنزلوا الخيل في البر، وعزموا من الكر والفر، ولمعت السيوف وتوجهت الجموع وبرقت شهب الرماح على الدروع، ودارت طاحون المنايا على الرجال والفرسان، وطارت الرؤوس عن الأبدان، وخرست الألسن وتغشت الأعين وانفطرت المرائر وعملت البواتر، وطارت الجماجم وقطعت المعاصم، وخاضت الخيل في الدماء وتقابضوا باللحى، وصاحت عساكر الإسلام بالصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام، وبالثناء على الرحمن بما أولى من الإحسان، وتأخر ضوء المكان هو وشركان إلى ورائهما، وتقهقرت الجيوش وأظهروا الانهزام للأعداء وزحفت عليهم عساكر الكفر وتهيأوا للطعن والضرب، وظن أفريدون ملك القسطنطينية أن عساكر الكفار منصورة، ولم يعلم أن ذلك من تدبير المسلمين، فأرسل إلى ملك الروم يبشره بالظفر، ثم صاح: خذوا بثأر لوقا، وصاح الكفار على بعضهم قائلين: خذوا بثأر لوقا، وصار ملك الروم ينادي بالأخذ بثأر إبريزة، فعند ذلك صاح الملك ضوء المكان، وقال: يا عباد الملك الديان اضربوا أهل الكفر والطغيان ببيض الصفاح وسمر الرماح، فرجع المسلمون على الكفار وأعملوا فيهم الصارم البتار وصار ينادي منادي المسلمين، ويقول: عليكم بأعداء الدين يا محب النبي المختار، هذا وقت إرضاء الكريم الغفار، يا راجي النجاة في اليوم المخيف إن الجنة تحت ظلال السيوف، وإذا بشركان قد حمل ومن معه على الكفار، وقطعوا عليهم طريق الفرار وجال بين الصفوف وطاف.

بطولة ضوء المكان

وإذا بفارس مليح الانعطاف وقد فتح بين عسكر الكفر ميداناً، وجال في الكفرة حرباً وطعاناً، وملأ الأرض رؤوساً وأبداناً، وقد خافت الكفار من حربه ومالت أعناقهم لطعنه وضربه، قد تقلد بسيفين لحظ وحسام، واعتقل برمحين قناة وقوام بوفرة تغني عن وافر عدد العساكر، كما قال فيه الشاعر:

لا تحسن الوفرة حتى ترى

منشورة الضفرين يوم القتال

على فتى معتقل صـعـدة

يعلها من كل وافي السبـال

فلما رآه شركان قال: أعيذك بالقرآن وآيات الرحمن من أنت أيها الفارس من الفرسان، فلقد أرضيت بفعلك الملك الديان الذي لا يشغله شأن عن شأن، حيث هزمت أهل الكفر والطغيان فناداه الفارس قائلاً: أنت الذي بالأمس عاهدتني فما أسرع ما نسيتني، ثم كشف اللثام عن وجهه حتى ظهر ما خفي من حسنه فإذا هو ضوء المكان، ففرح به شركان إلا أنه خاف عليه من ازدحام الأقران وانطباق الشجعان، وذلك لأمرين أحدهما صغر سنه وصيانته عن العين، والثاني أن بقاءه للمملكة أعظم الجناحين، فقال له: يا ملك إنك لقد خاطرت بنفسك فالصق جوادك بجوادي فإني لا آمن عليك من الأعادي، والمصلحة في ألا تخرج من تلك العصائب لأجل أن ترمي الأعداء بسهمك الصائب، فقال ضوء المكان أني أردت أن أساويك في النزال، ولا أبخل بنفسي بين يديك في القتال.

الفرار

ثم انطبقت عساكر الإسلام على الكفار وأحاطوا بهم من جميع الأقطار، وجاهدوهم حق الجهاد وكسروا شوكة الكفر والعناد والفساد، فتأسف الملك أفريدون لما رأى ما حل بالروم من الأمر المذموم وركنوا إلى الفرار يقصدون المراكب، وإذا بالعساكر قد خرجت عليهم من ساحل البحر، وفي أوائلهم الوزير دندان مجندل الشجعان، وضرب فيهم بالسيف والسنان، وكذا بالأمير بهرام صاحب دوائر الشام وهو في عشرين ألف ضرغام وأحاطت بهم عساكر الإسلام من خلف ومن أمام، ومالت فرقة من المسلمين على من كان في المراكب وأوقعوا فيهم المعاطب، فرموا أنفسهم في البحر وقتلوا منهم جمعاً عظيماً يزيد على مئة ألف، ولم ينج من أبطالهم صغير ولا كبير، وأخذوا مراكبهم بما فيها من الأموال والذخائر والأثقال إلا عشرين مركباً، وغنم المسلمون في ذلك اليوم غنيمة ما غنم مثلها في سالف الزمان إذن بمثل هذا الحرب والطعان، ومن جملة ما غنموه خمسون ألفاً من الخيل غير من مزيد بما من الله عليهم من النصر والتأييد.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وإلى حلقة الغد.

آثار الهزيمة

وأما ما كان من أمر المنهزمين فإنهم وصلوا إلى القسطنطينية، وكان الخبر قد وصل إلى أهاليها أولاً بأن الملك أفريدون هو الظافر بالمسلمين، فقالت العجوز ذات الدواهي: أنا أعلم أن ولدي ملك الروم لا يكون من المنهزمين ولا يخاف من الجيوش الإسلامية، ثم إن العجوز كانت أمرت أفريدون أن يزين البلد فأظهروا السرور وما علموا بالمقدور، فبينما هم في وسط الأفراح، إذ نعق عليهم غراب الحزن والأتراح وأقبلت عليهم العشرون مركباً الهاربة وفيها ملك الروم، فقابلهم أفريدون ملك القسطنطينية على الساحل، وأخبروه بما جرى لهم من المسلمين، فزاد بكاؤهم وعلا نحيبهم وانقلبت بشارات الخير بالغم والضير، وأخبروه أن لوقا بن شملوط حلت به النوائب، وتمكن منه سهم المنية الصائب، فقامت على الملك أفريدون القيامة وعلم أن اعوجاجهم ليس له استقامة، وقامت بينهم المآتم وانحلت منهم العزائم وندبت النوادب وعلا النحيب والبكاء من كل جانب، ولما دخل ملك الروم أفريدون وأخبره بحقيقة الحال، وأن هزيمة المسلمين كانت على وجه الخداع والمحال، قال له: لا تنتظر أن يصل من العسكر إلا من وصل إليك، فلما سمع الملك أفريدون ذلك الكلام وقع مغشياً عليه، وصار أنفه تحت قدميه، وبعدها دخل الملك أفريدون على ملك الروم وقال له: أيها الملك ليس لنا حاجة بأمر البطريق الكبير ولا بدعائه بل نعمل برأي أمي ذات الدواهي.

الجريدة - القاهرة