رياح وأوتاد: الفرق العريض بين الإصلاح والتحريض
ظهور الفساد وانتشار كثير من المعلومات المغلوطة المتعلقة بأمور البلاد وقوانينها دون أن تتم معالجة حقيقية لها من قبل الجهات المعنية حسب القنوات الدستورية السليمة سيؤدي إلى تراكم هذه الأخطاء، ويصنع بيئة غاضبة مغذية للتحريض والسخط الشعبي والنقمة العامة، وتحولها إلى توجهات عارمة ضاغطة، قد تؤدي إلى الوقوع في أخطاء ومنكرات أخرى أكبر.
أدى اكتشاف عمليات فساد كبيرة وخطيرة في البلاد في السنوات الأخيرة إلى غضب شعبي عارم على الحكومة وكبار المسؤولين فيها، وهو رد فعل طبيعي ومطلوب، ومن المهم أن يتم ترشيد هذا الغضب بحيث يؤتي ثماره ولا يقع في أي خطأ يذهب بالإصلاح المطلوب، فكثير من الناس يهم بإصلاح خطأ معين فيقع في خطأ أكبر من الخطأ الذي أراد إصلاحه، وهذا مخالف للشروط الشرعية في الإصلاح التي تنص على ألا يؤدي الإنكار إلى منكر أكبر منه، وهذا أمر معروف بداهة في الشرع والسياسة.ولقد شهدنا في أحيان معينة كيف أدى الإنكار غير الحصيف في قضايا المال والحريات وحقوق الإنسان والمرأة والفساد إلى الوقوع في التهويل والمبالغة والتحريض والأخطاء الكبيرة التي انعكست بشكلٍ سيئ على الأداء وعلى النتائج وعلى سمعة البلاد، وهي رغم ذلك لم تحقق الإصلاح المنشود والأمثلة على ذلك ملموسة.ففي الأسبوع الماضي نشرت الصحف جواب صندوق التنمية الكويتي عن سؤال للنائب الطريجي جاء فيه أن مجموع قروض صندوق التنمية منذ عام 1990 وحتى الآن، أي خلال أكثر من ثلاثين سنة للدول الشقيقة والصديقة بلغت ملياراً ونصف مليار دينار فقط، وذلك لتحقيق أهداف كثيرة منها دعم السياسة الخارجية الكويتية، وفي هذا رد مباشر على من يبالغ ويزعم أن ما يقدم من أموال الكويت للخارج مليارات كثيرة تفوق ما يصرف على الكويتيين في الداخل، علماً أن مجموع ما صرف في البلاد وفق الحسابات الختامية للفترة نفسها يفوق 200 مليار دينار.
إذا فما أشيع في هذا الخصوص غير صحيح، وهو أقرب الى التحامل والتحريض المؤدي الى هدر المزيد من الأموال على الطلبات الشعبوية، ولنأخذ مثالاً آخر نشرته الصحف الأسبوع الماضي أيضاً وهو تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" بشأن حرية الصحافة، حيث جاءت الكويت في المرتبة الأولى خليجياً والثانية عربياً، فهذا التقرير يدحض ويرد على ادعاءات بعض الناشطين عن الحريات في الكويت وزعمهم المتهافت عن تكميم الأفواه، أما إذا كانوا يقصدون أن تصنيف الكويت متدنٍّ بالنسبة إلى جميع دول العالم، فالجواب هو أن هذا التصنيف لا يراعي خصوصية أي بلد لأنه وضع بنظرة علمانية بحتة لتلك الدول، فلا يوجد في مقاييسهم حرمة للذات الإلهية والأنبياء والصحابة ولا حصانة لأمير البلاد ولا لكرامات الناس ولا الغيبة أو النميمة ولا للفتاوى الشرعية والدستورية المتعلقة بالمظاهرات، لذلك فالاحتكام لمعاييرهم دون الأخذ بالاعتبار الخصوصية الكويتية يتعارض مع ديننا وقيمنا، ومن المؤسف أن يسيء بعض النواب إلى بلادنا، فيبالغ ويهول باكياً على الحريات رغم أننا ننعم بحرية عظيمة فنبدي آراءنا في كل أمور البلاد في الديوانيات والصحف والندوات ووسائل التواصل بحرية وبلا رقابة مسبقة أو خوف، ولا يخالف خصوصية قوانيننا إلا قلة نادرة، ولا شك عندي أن تعديلات لجنة التعليم والإعلام في مجلس الأمة على قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع متأثرة من هذا التحريض على قوانين الكويت ووصفها بتكميم الأفواه وعدم الحرية.وما دمنا نتحدث عن المعايير العالمية فمن المستغرب إصدار بعض جمعيات النفع العام الأسبوع الماضي بياناً طالبت فيه بتعديل قوانين العمل وقوانين الأحوال الشخصية لكي تتواءم مع المعايير الدولية والمؤشرات العالمية للنوع الاجتماعي، وذلك على إثر إصدار تقرير من البنك الدولي بشأن التمكين الاقتصادي للمرأة وأنشطة الأعمال، ولا شك أيضاً أن معايير هذه الجهات لا تتفق في جوانب كثيرة مع خصوصيتنا التي استجاب لها المشرع الكويتي، فسن قوانين تعزز مكانة المرأة ودورها خاصة كأم تربي الأجيال، فشرع إجازة الوضع والأمومة وإجازتي رعاية الأسرة والحج وعدتي الطلاق والوفاة، وأقر التقاعد المبكر، كما حماها من الأعمال التي تحط من كرامتها والعمل في الأماكن المخصصة للرجال، وبالإضافة إلى ذلك فإن رعاية الأسرة تأخذ من المرأة الكويتية الكثير من وقتها وجهدها، وهي الأهم في نظر كثير من الأمهات من المناصب القيادية، ومع هذا فقد تقلدت كثير من النساء مناصب إدارية وتجارية قيادية يشار لها بالبنان، فلماذا نغير قوانيننا إذاً؟ وهل سنستجيب للتحريض الأجنبي عليها؟ وكذلك في قضايا الفساد وحتى لا تضيع المكافحة في زحمة الصراعات السياسية، يجب أن تكون المحاسبة دقيقة وفنية، وتتناول أي متهم في أي سلطة من السلطات شيخاً أو وزيراً أو نائباً أو مواطناً، كما يجب أن تنشر تفاصيل كل قضية دون تعميم مع بيان حجم المبالغ المغصوبة وأدلة الاتهام والإجراء القانوني المتخذ دون تهويل أو تحريض على النظام الدستوري، وذلك بتفعيل الأسئلة ولجان التحقيق البرلمانية لتزويد القضاء بكل الأدلة التي يتم التحصل عليها، مع الالتزام التام بأحكام الدستور حتى لا تضيع القضايا في الطعون الدستورية، وهذا الطريق يجب أن يؤيده الجميع خاصة وأنه سبق تطبيقه في مجلس 99 وأتى بنتائج جيدة بحمد الله، وبذلك تتم الحماية من الوقوع في الأخطاء.والخلاصة أن ظهور الفساد وانتشار كثير من المعلومات مغلوطة المتعلقة بأمور البلاد وقوانينها دون أن تتم معالجة حقيقية لها من قبل الجهات المعنية حسب القنوات الدستورية السليمة سيؤدي إلى تراكم هذه الأخطاء، ويصنع بيئة غاضبة مغذية للتحريض والسخط الشعبي والنقمة العامة، وتحولها إلى توجهات عارمة ضاغطة، قد تؤدي إلى الوقوع في أخطاء ومنكرات أخرى أكبر، وبالتالي لا يزول المنكر ولا تتغير الأوضاع إلا إلى الأسوأ ويتبخر الإصلاح.
أحمد باقر
المحاسبة يجب أن تكون دقيقة وفنية وتتناول أي متهم في أي سلطة من السلطات شيخاً أو وزيراً أو نائباً أو مواطناً
لا شك عندي أن تعديلات لجنة التعليم والإعلام في مجلس الأمة على قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع تأثرت بالتحريض على قوانين الكويت
لا شك عندي أن تعديلات لجنة التعليم والإعلام في مجلس الأمة على قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع تأثرت بالتحريض على قوانين الكويت