بدأت شعبية النخبة الحاكمة الروسية تتراجع منذ بضعة أشهر، ويتعلق السبب الأساسي بالتداعيات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية التي رافقت أزمة كورونا، إذ يواجه بوتين اليوم مجموعة متنوعة من المشاكل السياسية، أبرزها تحوّل زعيم المعارضة ألكسي نافالني إلى ضحية، وبسبب هذه التحديات ومصاعب أخرى، زادت المجازفات التي يواجهها بوتين وأتباعه بدرجة كبيرة منذ عام 2020.في ظل هذا الوضع ومع اقتراب موعد انتخابات مجلس الدوما في سبتمبر 2021، زادت المكاسب السياسية المحلية التي ترافق مغامرة أخرى في مجال السياسة الخارجية، ومن المتوقع أن يستمر التوتر بين روسيا والغرب وأوكرانيا أو يزيد سوءاً، حتى موعد الانتخابات البرلمانية الروسية في سبتمبر على الأقل، وفي أسوأ الأحوال، قد يتحول الصراع المتفاقم بين روسيا وأوكرانيا إلى حرب مفتوحة وشاملة بين الدولتَين.
على عكس المرحلة الناشطة الأولى من الحرب بين العامين 2014 و2015، تملك أوكرانيا اليوم جيشاً كبيراً نسبياً لديه خبرة جيدة في القتال مقارنةً بالجيوش الأخرى في أوروبا، لكنّ أي حرب روسية علنية ضد أوكرانيا، بعدما كانت ضمنية حتى الفترة الأخيرة، قد تعطي الكرملين الضوء الأخضر لاستعمال مجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة المدمّرة. حتى الآن، كانت موسكو تتكل بشكلٍ أساسي على وحدات قتالية غير نظامية وغير معاصرة تشتق من دولتَين زائفتَين: "دونيتسك" و"جمهورية لوغانسك الشعبية" في "حوض دونيتس". كذلك، استخدمت روسيا نيران المدفعيات انطلاقاً من الأراضي الروسية ضد أوكرانيا من وقتٍ لآخر، وفي حالات استثنائية، استعملت موسكو أيضاً وحدات المشاة المتنقلة التابعة للجيش الروسي ضد أوكرانيا.لكن إذا قررت روسيا الآن أن تطلق حرباً تقليدية بدل أن تكتفي بحرب بالوكالة ضد أوكرانيا، فقد يُقدِم الكرملين على استعمال القوات الجوية الروسية أو حتى أنظمة الصواريخ أرض– أرض ضد أوكرانيا. لن تستعمل موسكو أسلحة الدمار الشامل في أوكرانيا على الأرجح، لكن قد تنشأ عواقب هائلة أو كارثية حتى لو اكتفت روسيا باستعمال قاذفات القنابل أو المدفعيات الثقيلة أو الصواريخ قصيرة المدى والمزوّدة برؤوس حربية تقليدية في أوكرانيا.قد يكون توسّع روسيا المستجد داخل الأراضي الأوكرانية مرادفاً لتنفيذ غزو عسكري في قناة شمال القرم في جنوب البر الرئيسي الأوكراني لتأمين إمدادات المياه العذبة لشبه جزيرة القرم انطلاقاً من نهر "دنيبرو" الأوكراني، وقد يحبذ الكرملين هذا النوع من تصعيد التوتر الدولي ويرحّب بالأراضي الجديدة التي تكتسبها روسيا في جنوب أوكرانيا كجزءٍ من التكتيكات الانتخابية واستراتيجية القوة، وسيكون أي توغل أو انتصار عسكري محتمل لمصلحة روسيا في جنوب البر الرئيسي الأوكراني، لأسباب مرتبطة بجهود إنسانية مزعومة، موضوعاً مناسباً للحملة الانتخابية التي يستعد لها الحزب الحاكم برئاسة بوتين بدل الاتكال على جهود مطوّلة ومؤجلة لها علاقة بمشروع بناء محطات تحلية المياه غير المربح محلياً لتزويد شبه جزيرة القرم بمياه عذبة مشتقة من البحر الأسود.لكن حتى لو قرر الكرملين في نهاية المطاف ألا يطلق حرباً شاملة في أوكرانيا، سيبقى التوتر سيّد الموقف على الأرجح خلال الأشهر القليلة المقبلة. تنذر الظروف الراهنة بأن أوكرانيا ستتكبد في مطلق الأحوال خسائر هائلة نتيجة تصعيد الوضع في الوقت الراهن، وفي غضون ذلك، من المتوقع أن يردّ الاتحاد الأوروبي على ما يحصل عبر إطلاق خطابات شفهية، كما فعل سابقاً، لكنه لن يتحرك عبر اتخاذ خطوات عملية في إطار سياسته الاقتصادية الخارجية طالما لا ترتكب روسيا عمليات أخرى من القتل الجماعي بحق مواطنين من الاتحاد الأوروبي. لهذا السبب، ستتوقف تحركات بوتين المرتقبة في أوكرانيا على موقف الولايات المتحدة وبريطانيا.
مقالات
ما وراء التصعيد الروسي في أوكرانيا
26-04-2021